محمد حطحوط

علمني أبوهريرة

السبت - 12 أكتوبر 2019

Sat - 12 Oct 2019

في القصة النبوية الصحيحة التي رواها البخاري يحكي لنا الصحابي الجليل أبوهريرة موقفا نبويا «وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، قال: إني محتاج، وعلي عيال، وبي حاجة شديدة، فخليت عنه، فأصبحت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله شكا حاجة وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله. فقال: أما إنه قد كذبك وسيعود فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله فرصدته. فجاء يحثو من الطعام، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، قال: دعني فإني محتاج، وعلي عيال لا أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله شكا حاجة وعيالا فرحمته، فخليت سبيله، فقال: إنه قد كذبك وسيعود. فرصدته الثالثة. فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود، ثم تعود، فقال: دعني فإني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله: ما فعل أسيرك البارحة؟ فقلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله. قال: ما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: الله لا إله إلا هو الحي القيوم (البقرة:255) وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظ، ولن يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قلت: لا، قال: ذاك شيطان.

تخيل.. المصدر الذي أخبرنا بأعظم آية في القرآن كان شيطانا، وهذا يقودنا لخلاصة ستفتح لك آفاقا معرفية في حياتك: في النقاش والحديث مع الناس اجعل تركيزك على المحتوى الذي يقوله المتحدث، ولا تلق كثير اهتمام على لون، شكل، قبيلة، جنسية.. المتحدث! كم من فرص معرفية فاتت لأن المتحدث - في ظننا - لا يطابق تقسيمنا الثقافي أو الطبقي اللا واعي.

ولهذا عندما يختصم اثنان في وسيلة تواصل اجتماعي، ويبدأ طرف بسب جنسية، لون، شكل، الطرف الآخر، فهذا دليل واضح على ضعف حجة الأول وتفاهة فكرته، ولهذا يلجأ للحيلة النفسية القديمة: تشويه (ذات) الخصم. رضي الله عنك يا أبا هريرة، منك تعلمت هذه المهارة المذهلة، وفي قصة أبي هريرة كثير من الجمال لمن تأملها.

@mhathut