طارق جابر

التأمين وعمليات السمنة

الخميس - 10 أكتوبر 2019

Thu - 10 Oct 2019

الحلقة الأخيرة، المشهد الثالث: حكاية عبدالشكور.

حكاية عبدالشكور بسيطة ومكررة، موظف في الـ 45 من العمر يعاني من سمنة مفرطة ومزمنة، كما يعاني من آلام في الظهر، تم مؤخرا اكتشاف أن لديه بوادر مرض السكر، ووصف له طبيبه دواء يتناوله بشكل منظم وطلب منه إنقاص وزنه. حاول لفترة ولم يحقق النجاح المطلوب. أخذ موعدا عند الجراح الذي أجرى في السابق عمليات سمنة لأخيه وزوجة أخيه.

الجراح قيّم وفحص عبدالشكور وأخبره بأن كتلته 42، وهذا يؤهله لعملية جراحية لإنقاص الوزن، خاصة أنه الآن رسميا مريض بالسكري، لكن هذا لن يؤهله لعمل العملية على التأمين، حيث إن كتلته أقل من الـ 45 المطلوبة.

هاج عبدالشكور وماج، وطلب من الدكتور أن يرفع الطلب وهو سوف يتصرف. رفع الدكتور الطلب على مضض، وكما هو متوقع جاء الرفض سريعا ولم يتصرف عبدالشكور.

فللنظر للأمر نظرة مجردة: طبيا المتعارف عليه أن كتله 35 في وجود علة مرضية كداء السكري أو كتلة 40 بدون وجود أي علة تؤهلان المريض لإجراء عملية جراحية للسمنة. من جهة أخرى شركات التأمين تطلب كتلة 45 بدون أي اعتبارات أخرى (مؤشر الكتلة هو مقياس العلاقة بين الوزن والطول وله معادلة للحساب).

الرقم الأول الطبي ليس رقما منزلا، وعكس الاعتقاد السائد هو غير متفق عليه، فدول مثل سويسرا وتايوان تضع أرقاما أقل، ودول أخرى تضع أرقاما أعلى، بناء على طبيعة السكان وحسابيا على الحد الذي يعتقدون أن خطورة السمنة عنده تزيد عن مخاطر العملية، وبناء على قياس الحد الذي عنده تزيد تكلفة السمنة اقتصاديا عن تكلفة العملية.

بالنسبة لشركات التأمين فهي أيضا لها حساباتها. وهذه شركات مساهمة ومملوكة لمساهمين هم أفراد المجتمع نفسه، ويحكمها مبدأ الربح والخسارة، وهي ليست جمعية خيرية أو قطاعا غير ربحي.

وفي هذه المنطقة من العالم حيث أكثر من ثلث السكان مصابون بالسمنة، وحيث نسبة الإصابة بمرض السكري تجاوزت الـ 1 / 4، فالطبيعي أن تحسب شركات السمنة عند أى كتلة يصبح علاج السمنة جراحيا مجديا اقتصاديا، وإلا فلن يطول الأمر قبل أن تفلس هذه الشركات الواحدة تلو الأخرى، خاصة مع أسعار وثائق التأمين المتدنية وانخفاض أعداد المؤمنين على المديين القصير أو المتوسط.

إذن الموضوع ليس طبيا بالمطلق ولا اقتصاديا بالمطلق. وكما استنزفت السمنة كمرض الاقتصاد الوطني بطريقة لا تقل عن استنزاف التدخين له، فقد استنزفت جراحة السمنة ميزانية الطب والصحة في العشر السنوات السابقة بطريقة غير مسبوقة. ولأن شركات التأمين تحكمها معايير اقتصادية أخرى فمن المبرر أن تضع بعض الضوابط التي أتفق مع بعضها وأختلف مع بعضها الآخر.

الحل في وضع قواعد أكثر علمية في تحديد شروط الموافقة، تأخذ في الاعتبار الحالة الصحية للمريض، كما تأخذ في الاعتبار الجدوى الاقتصادية للعلاج. وتقنين من ولمن ومتى وأين وكيف تجرى عميات السمنة.

أخيرا، الجري وراء السمنة بالمقص والمشرط فقط سيكون موضوعا طويلا ومتعبا، فالمشكلة لم تبدأ هنا، لذلك فهي لن تنتهي هنا.

drtjteam@