مرزوق تنباك

مشاهير الثقافة الهشة

الثلاثاء - 01 أكتوبر 2019

Tue - 01 Oct 2019

لا نختلف حول أهمية التغير الكبير والمؤثر الذي نمر به والتحولات في الفكر والثقافة وأساليب الحياة التي تتجدد كل يوم وتأتي بما لم نعهده في كل ما مضى من تاريخنا القديم والمعاصر، مما عجل باهتزاز القناعات التي كانت سائدة في العقدين الماضيين، وهون منها وأضعف الرغبة في اكتسابها لدى الشباب خاصة، بشكل سريع متفاعل، وزهدهم بما لدى الشيوخ من نظر مرحلي متردد بين الإقدام والإحجام على ما يحسون به من ضرورة التغير الذي لا يبتعد عن ثوابت هؤلاء الشيوخ ورؤاهم.

وأكبر هذه التحولات التي تواجه الناس في العالم وعلى المستوى المحلي هو التغير الثقافي والمكتسبات المعرفية التي صنعت الفارق الكبير في وسائل التثقيف والمساحة الشاسعة بين الأجيال، حيث تمايزت الرؤية في الوطن الواحد بين الكبار الذين ترتكز معارفهم بشكل أساسي على التعليم التقليدي والقراءة والاستنباط وحفظ النصوص، والتمسك بكثير من الثوابت التي كانت تمثل قيما معرفية لها صفة القداسة والاستمرار والركون إليها على أنها مشتركات عريضة من الموروث الثقافي العربي وحتى الموروث المكتسب من الثقافات القديمة حين تكون مرجعيات لها صفة الاحترام المتبادل والموثوقية في النفوس، لما تقدمه الثقافة وما يعتمده المثقفون من مفاهيم التغير واعتبار وحدة الزمن حين تجدد الثقافة نفسها أو حين يلزم التجديد والتغيير الذي تحتاجه وتقبله، سواء جاء من داخلها باعتبار الزمن وضرورة تحولاته، أو جاء من خارجها فيما كانوا يسمونه تلاقح الثقافات والاستفادة من المعارف الإنسانية التي تنمو وتزدهر في جيل من الأجيال أو في وقت من الأوقات، هذه كانت طبيعة الأشياء وسنة التغير التي يؤمن بها الشيوخ وأهل التجربة المؤثرون في أحداث الثقافة المقبولة ومجريات الأمور فيما مضى.

أما التغير لدى الشباب والتحول فلم يعد كما يريد الشيوخ الذين يرون المرحلية في التغيير والتدرج فيه، ولكن الشباب يرون الأخذ بالتغيير الذي يحمل في موجه العاتي تحطيم السدود إذا وقفت في طريقه، وتجاوز الحدود حين لا يكون هناك حدود يرون الوقوف عندها أو احترام مبادئها وأعرافها ومكتسباتها، وحجتهم هي الموج المتدفق القوي من المعلومات التي يحصلون عليها عبر وسائل التواصل كلما تهيأت لهم قدرة اكتساب المعلومة في حينها وسرعة بثها وتلقفها، على الرغم مما تحمل بعضها من عدم الدقة وقلة المصداقية، ولكنها تشبع نهم الشباب وتستجيب لطبعهم وتسرعهم، فيتلقفون المعلومة ويتفاعلون مع ما تأتي به دون أن يقفوا ولو لحظة لفحص المحتوى، وليس أخذه على علاته وعلى ما فيه من الصحة أو الخطأ.

هذه الثقافة الهشة في نظر الشيوخ، يعدها الشباب هي المعطى الناجز في رؤيتهم وفي ثقافيتهم، ودليلا على مقدرتهم والتجاوب مع اللحظة التي يمرون بها ويسجلونها كما هي في سرعة ودهشة واستغراب، ولم يكن سناب شات وحده الذي يعزز ثقافة السرعة واللمحة المضحكة، وإنما معه وسائل مهمة من التواصل الذي لا ينقطع مدده من المعلومات المتدفقة على ألسنة الشباب والمتجاوزة للواقع المدرك إلى فضاء العالم الافتراضي والخيال الذي لا تحده الثقافة القديمة ولا تحتويه المعارف السائدة في المجتمع التقليدي.

وفي النهاية فإن ما يحتاجه الشيوخ والشباب ليس رفض ثقافة سناب شات وأمثالها من وسائل الإضحاك والتسلية، وإنما يحتاجون أن يكون للثقافة هدف ومعنى غير هدف مشاهير الثقافة الهشة وإعلاناتهم عن أنفسهم. الثقافة الحقة لا تكون للسخرية من الذات ومن الآخرين، ولكنها تكون المساحة الحرة التي يبدعها الجميع وينمو بها العقل والذوق وتؤسس لمعان عليا وقيم مشتركة بين الجميع تتصف بالثبات والاستمرار.

Mtenback@