شاكر أبوطالب

الحاجة إلى حركة نقدية للأداء الإعلامي

الاحد - 29 سبتمبر 2019

Sun - 29 Sep 2019

مضت تسعة عقود من الممارسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية، بداية مع الصحافة الورقية، ومرورا بالإذاعة والتلفزيون، وصولا إلى الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، هذه الممارسة الإعلامية المتراكمة زمنا، والمتحولة تقنيا، لم تواكبها حركة نقدية واعية، غايتها تحليل المنتجات الإعلامية بأسلوب علمي ومنطقي يسهم في تطوير الأداء الإعلامي، ويساعد على تنمية التعرض الواعي لدى الجمهور.

ويمثل غياب نقد الأداء الإعلامي في السعودية نتيجة لعدد من العوامل، في مقدمتها ضعف اهتمام أقسام وكليات الإعلام في الجامعات بالنقد الإعلامي، وتوفير مقررات دراسية تعزز القراءة النقدية للمنتج الإعلامي، والارتقاء بمستواه المهني، إلى جانب قلة الدراسات الأكاديمية والبحوث العلمية التي تناقش بشكل دوري أداء وسائل الإعلام السعودية، ورغم توفر القليل منها، إلا أن معظمها ظلت حبيسة مكاتب أعضاء هيئة التدريس، ورفوف المكتبات الجامعية.

يضاف إلى ما سبق عدم وجود مؤسسات مجتمعية تعنى بوسائل الإعلام أو جمهورها، وتقوم بمراقبة ورصد ممارسات وسائل الإعلام بشكل مستمر، وتصدر بيانات وتقارير دورية لمنع الممارسات غير المهنية من إلحاق الضرر بأي فرد أو مؤسسة، أو التعدي على حقوق المجتمع، وللتأكد من التزام الأداء الإعلامي بالمعايير المهنية.

ومن أهم العوامل التي تقف خلف غياب نقد الأداء الإعلامي، تدني قيمة النقد الإعلامي لدى العاملين في وسائل الإعلام، خاصة القيادات والتنفيذيين، بسبب عدم تقبلهم للنقد وتحسسهم منه بشكل عام، لذلك يعتبرون كل نقد موضوعي للممارسة الإعلامية انتقادا شخصيا لهم، ويعتقد بعضهم أنه لا ينبغي إخضاع الإعلام لعملية النقد، كونه سلطة رابعة تمارس النقد بذاتها.

ويوثق تاريخ الإعلام في السعودية بعض المحاولات الفردية لأداء دور الناقد الإعلامي، ممن يملكون القدرة على رصد الممارسة الإعلامية وتحليلها، ولديهم الرغبة في نقد الأداء الإعلامي، ولكنهم غالبا ما يصطدمون بتحديات عديدة، أبرزها عدم قبول أشهر المنصات الإعلامية بنشر محاولاتهم النقدية والتحليلية، أو النشر المشروط بعدم التعيين والتسمية وضرب الأمثلة، لخشية إثارة حساسية بين المؤسسات الإعلامية لطبيعة التنافس بينها، والتاريخ ذاته لم يسجل - حسب علمي - للقنوات التلفزيونية أو الإذاعية في المملكة أي برنامج تضمن نقدا إعلاميا لأداء وسائل الإعلام السعودية.

ولقد أتاح ظهور الانترنت وتطور تطبيقات الهواتف الذكية نشر بعض المحاولات النقدية لأداء الإعلام السعودي، لتمتعها بدرجة عالية من الحرية تفوق ما سمحت به وسائل الإعلام التقليدي على مر تاريخها، وبدأت تظهر بعض المبادرات الساخرة من أداء الإعلام السعودي، ورصد واقعه، والتعليق الساخر على أدائه وممارسته، وإبراز أخطائه المهنية بسخرية. ولكن عادة ما يتم استقطاب أصحاب هذه المحاولات النقدية من قبل بعض وسائل الإعلام لاحتواء أفكارهم وآرائهم وتعليقاتهم، تحت غطاء تطوير المواهب وتنمية مهاراتهم.

يوما بعد يوم، تزداد الحاجة لبناء حركة نقدية، ابتداء من غرس المفاهيم النقدية والمنطق في ذهنية طلاب وطالبات التعليم العام، وتعزيز ذلك في الأقسام والكليات المتخصصة في علوم الاتصال والإعلام، وإتاحة الفرصة أمام المشاريع النقدية لأداء وسائل الإعلام، للمساهمة في تقويم الأداء الإعلامي وبناء ممارسة إعلامية قوية.