فيصل الشمري

ما هي الحقيقة؟

السبت - 28 سبتمبر 2019

Sat - 28 Sep 2019

ما هي الحقيقة؟ وهل الحقيقة موجودة فعليا في عالمنا اليوم؟ أم الحقيقة عبارة عن رأي شخصي أو تفضيل؟ بمعنى آخر: هل الحقيقة نسبية؟ في عالمنا الذي نعيشه بين واقع وافتراضي في مرحلة الصوابية السياسية علينا الإجابة عن هذا السؤال المهم جدا.

لنقصر هذه التساؤلات في إطار حياتنا اليومية. هل الحقيقة موجودة؟

كان الجواب عن هذا السؤال واضحا جدا في عقود ماضية، لكن في عالمنا اليوم الحقيقة تمر بوقت عصيب.

على الصعيد الإعلامي نشاهد قنوات مثل الجزيرة تجعل من الكذب والتدليس السياسي في نشراتها وبرامجها جرعة يتشربها المواطن العربي على أنها حقيقة. سياسي قطري في كلمة يطلق على إيران لقب «شريفة»، إطلاق لقب شريفة عليها لا يجعلها شريفة ولا يغير واقع أن إيران من أكبر الدول المصدرة للإرهاب.

الحقيقة تعاني اليوم من مصطلح (حقيقتي). في قصة شهيرة حدثت بأمريكا تشعر امرأة بيضاء بأنها سوداء وتعيش ذلك، تدخل الجامعة على أنها سوداء مستخدمة برنامج تساوي الفرص الذي يدعم السود. بعد ذلك تصبح حقوقية تعمل من أجل حقوق الأقليات، تعمل في منظمة NAACP الحقوقية لدعم الأقلية السوداء حتى تصبح في صفوف القيادة وعندما يكشف الإعلام أمرها، ترد على منتقديها أنها تشعر بأنها سوداء، وبالتالي فهي سوداء، قصة ولا في الخيال!

رجل يبلغ من العمر 69 عاما في هولندا يقدم التماسا إلى المحكمة لتغيير عمره من الناحية القانونية إلى 49 عاما لأن هذا ما يشعر به. رجل يلبس لباس امرأة ويتصرف تصرف امرأة ويعلن أنه أنثى. وامرأة تلبس لباس رجل وتتصرف على أنها رجل وتعلن أنها رجل، لأنهم يشعرون بذلك فقط! ضاربين عرض الحائط بالكروموسومات والحمض النووي وأجزاء الجسم. ويجب علينا تقبل ذلك، بغض النظر عن ماهية الحقيقة! إذا قال الشخص الحقيقة لهؤلاء أو لم يقبل بذلك سوف يقال عنه «غير متسامح». هذا «صحيح بالنسبة لك، ولكن ليس بالنسبة لي»، أمر مثير للقلق لأنه يتطلب قبول تناقضات واضحة، وإنكار الواقع، والحس السليم، بدلا من تكييف حياتنا مع الحقيقة، يجب أن تتكيف الحقيقة معنا!

لكن من الصعب جدا العيش بهذه الطريقة، ناهيك عن كونها غير عملية إلى حد كبير. نحن نعتمد على حقائق عالمية مستقلة عن العقل من أجل التفكير بوضوح. خلاف ذلك يسبب مشاكل، يجب أن يكون هناك بعض الأشياء التي هي مجرد أشياء حقيقية، إذ يجب مثلا أن نشير إلى وجهة الشمال نفسها للجميع.

الحقيقة في جذورها تطابق الواقع، لا تكون القصة أو البيان أو المعتقد صحيحة إلا إذا كانت متوافقة مع ما هو حقيقي، الأمر يشبه أداة ربط ملائمة تماما للمسامير. الواقع هو صانع الحقيقة، قول «الأرض مسطحة» أو «القمر مصنوع من الجبن» غير صحيح. لماذا؟ لأنه لا يتوافق مع الواقع.

حتى وقت قريب، كان الغرض من التعليم في جزء كبير منه هو السعي وراء الحقيقة. شعار جامعة هارفارد على سبيل المثال «الحقيقة». اليوم أي شخص يقول إن التعليم يجب أن يكون عن السعي وراء الحقيقة يتم الرد عليه «حقيقة من؟».

يتحدث الناس بشكل متزايد عن «حقيقتي» أو يقولون «هذا صحيح بالنسبة لي» على الرغم من أن الحقيقة ليست مجرد مسألة رأي أو منظور، يمكنك الحصول على تجربتك أو وجهة نظرك، لكن لا يوجد شيء اسمه «حقيقتك» أو «حقيقتي»، هناك الحقيقة المرتبطة بالواقع فقط. هناك مشكلة أخرى مع «حقيقتك»: إذا كانت «حقيقتك» هي الحقيقة، فإن أي شخص لا يرى تلك الحقيقة يكون على خطأ، هذه نرجسية، وبلطجة فكرية.

الحقيقة تمر بوقت عصيب، وعلينا إنقاذها، لذلك دعونا نعد للوراء: الحقيقة لا يمكن أن تكون نسبية، إذا كانت نسبية فهي ليست حقيقة. إن قول «حقيقتي» و»حقيقتك» إعلان عن عدم ربط الحقيقة بالواقع، وقول «صحيح أنه لا توجد حقيقة! أو أنها نسبية» وإعلان أن آراءك وآرائي صحيحة حتى لو كانت تتناقض مع بعضها البعض؛ هراء. الحقيقة ليست رأيا أو تفضيلا، إنها ليست شخصية أو نسبية، إنها أمر لا مفر منه لأن الواقع أمر لا مفر منه. الجدال في الحقيقة لن يغير جذورها، ولن تكون القصة أو البيان أو المعتقد صحيحة إلا إذا كانت متوافقة مع ما هو حقيقي.

mr_alshammeri@