طارق جابر

التأمين وعمليات السمنة

الخميس - 26 سبتمبر 2019

Thu - 26 Sep 2019

المشهد الأول: حكاية عبدالستار

بعد انتظار طويل وابتداء من 1/ 7 / 2018 بدأت شركات التأمين بتغطية عمليات السمنة الجراحية بشروط، أهمها أن يكون مؤشر كتلة الجسم أعلى من 45، بغض النظر عن أي اعتبارات صحية أو أمراض مصاحبة، وأن تكون قيمة التغطية 20 ألف ريال فقط، بغض النظر عما ستكلفه العملية فعليا، أي إن المريض لو احتاج أن يذهب للعناية المركزة مثلا أو احتاج نقل دم أو أي استشارات طبية أو أدوية أو غير ذلك فإن المريض سوف يتحمل أي تكاليف إضافية.

فلنناقش بطريقة عملية انعكاسات هذا القرار:

القصة الأولى

عبدالستار شاب من إحدى الدول الشقيقة في الـ 35 من عمره ولد وعاش في المملكة، ويعمل في إحدى الشركات الصغيرة براتب بسيط. يعاني من سمنة مفرطة أضافت لسيرته الذاتية مرضي السكري والضغط وتآكلا مبكرا في مفصل الركبة، مما أثر على عمله وحياته وحياة من حوله. حاول لسنوات أن يعمل على إنقاص وزنه ولكن دون أي نجاح. نصحه طبيبه أن يجري عملية لإنقاص الوزن. وكانت سعادته لا توصف عندما علم أن التأمين الذي دفع اشتراكه لسنوات سوف يغطي تكاليف عملية السمنة أو الجزء الأكبر منها.

توجه للمستشفى الذي يغطيه تأمينه، وقابل الجراح الذي تذكر أنه سمع عنه لكثرة ما يقدم من عروض وتخفيضات على العمليات في جميع الأعياد والمناسبات السعيدة، وبعد ثلاثة أيام أجريت له عملية تكميم وغادر المستشفى بعدها بيوم، بعد أن اشترى الأدوية والمكملات، حيث إنها خارج التغطية.

بعد أيام ساءت حالته وراجع المستشفى وتم تشخيص أحد المضاعفات المعروفة، وقرر الأطباء أن الأمر يحتاج لإجراء عملية جراحية. تم الرفع للتأمين فرفض تحمل التكاليف لأن الاتفاق أن تكون التغطية فقط 20 ألف ريال وقد تم استخدامها.

المستشفى من ناحيته أخبر المريض بأن هذه المضاعفات معروفة، وقد تم شرحها له وتم أخذ موافقته، والمستشفى غير ملزم بعلاجها، وهي لا تعتبر خطأ طبيا، وعلى كل حال يمكنه اللجوء إلى القضاء لو لم يقتنع، لكن الآن لن يتم علاجه دون أن يدفع ثمن العلاج. الطبيب من جهته أعاد كلام المستشفى نفسه وأخبره أنه قام بعمله على أتم وجه، أما المضاعفات فتحدث، وهو غير ملزم ولا يستطيع تحمل تكاليفها.

المستشفى الحكومي رفض استقباله لأنه غير مؤهل للعلاج المجاني، ولأن حالته ليست حرجة جدا، ويمكنه العودة إلى من أجرى له العملية. عبدالستار لا يملك حتى نصف قيمة العلاج!

قصة يمكن أن تتغير تفاصيلها بأكثر من طريقة لنصل إلى النتيجة نفسها. هذا الوضع لا يحدث في عمليات القلب أو الأعصاب والمسالك البولية أو غيرها.

إن عدم التزام التأمين بعلاج المريض كاملا بما في ذلك المضاعفات التي ليس للمريض ذنب فيها سيؤدي إلى مواقف خطرة جدا كما حدث مع عبدالستار. من جهة أخرى فإن التزام شركات التأمين بعلاج المريض بالكامل سيجعل الشركات أحرص على اختيار المستشفيات التي تحقق أقل قدر من المضاعفات والأطباء الجيدين، حيث إن هذا أفضل لهم ماديا على المدى الطويل. أما في الوضع الحالي فستفضل شركات التأمين أرخص المستشفيات حتى لو لم تكن مؤهلة والأطباء من نوعية (أجري عمليتين بسعر عملية)، وفي النهاية الخاسر الوحيد هو عبدالستار الله يستر عليه.

الأسبوع القادم سأحكي لكم قصة عبدالمعين. دمتم بخير.

drtjteam@