فهيد العديم

«إثراء» أنسنة «البترول»!

الأربعاء - 25 سبتمبر 2019

Wed - 25 Sep 2019

إن كانت أرامكو هي (الثروة)، فإن مركز الملك عبدالعزيز الثقافي هو (إثراء) العقل والذائقة، وبين البعد المادي والتقني من جهة والبعد الفكري والثقافي من جهة أخرى تكمن حكاية مليئة بالتحديات والشغف، وعندما نقول (إثراء) فإن أول ما يتبادر للذهن هو ارتباطها بأرامكو، لذا من الطبيعي أن تكون الصورة الذهنية قريبة من المعدات العملاقة والتقنية وصخب الآلة وخوذ المهندسين وملامحهم التي صهرتها الشمس وصبغتها بلون الرمل.

لكن كل هذه الصورة المملوءة بالخيالات الجادة لا تلبث أن تتبدد بمجرد الاقتراب من المركز، حيث تجد نفسك بين الناس بكل ما تحمله هذه الكلمة من حمولات موغلة في إنسانيتها، تقابلك مكتبة ضخمة يكاد يكون تصميمها على هيئة أمنية، فلو قيل لك صف شكل المكتبة التي تتمناها فإن خيالك سيكون أقل من هذه المكتبة، ليس هذا فحسب، بل الشغف أيضا يكاد يكون هو العنوان الرئيس للعاملين في إثراء، فعلى رأس الفريق تقابلك المهندسة الوقورة فاطمة الراشد، وهي من مؤسسي إثراء.

عندما تحدثك عن تفاصيل المكان كأنها تحدثك بغزل باذخ عن عيني طفلتها الصغيرة لا عن مشروع ضخم، تحدثك - بعشق وحنين - عن رائحة ذرات الغبار التي تتطاير من أول جرافة بدأت في المكان، وأسرار المكان التي لا تنتهي، مثلما الطموحات اللا نهائية، والكلام ينطبق على بقية الشباب من الجنسين العاملين في المركز، شغف مدهش في المكان، لا يتحدثون بصفتهم موظفين أو عاملين، إنما تشعر أنهم يتكلمون عن مشاريعهم الخاصة وأحلامهم وطموحاتهم.

وأعتقد أن المؤسسة التي تجعل العاملين بها بهذا الشغف والحب المجنون هي مؤسسة عظيمة، والمكان للأمانة يحمل روحا عظيمة، فلكل جزء منه حكاية تستحق أن تروى، وهذه حقيقة وليس مجازا، وهذا ربما ما يجعل القارئ - ربما - يشعر أنني أمدح، والحقيقة أنني أكتب تحت وطأة الدهشة ليس إلا، وسأبتعد قليلا عما يشبه الغزل الذي انتقل لي كعدوى من العاملين في المكان.

فكرة مركز الملك عبدالعزيز الثقافي (إثراء) هي مخاطبة العالم من خلال الثقافة والفن والأدب، وله إسهامات ليس هذا مجال ذكرها، لكنني أتمنى أن يكون لنتاج المكان خصوصيته التي لا تتقاطع مع الجهات الأخرى كوزارة الثقافة أو نشاطات (مسك) على سبيل المثال، إذ أعتقد أن أنسنة أرامكو، أو إيصال الصورة الإنسانية لها، باعتبارها موجودة أصلا، هي ما يجب أن يركز عليه المركز، فأرامكو في الذاكرة الجمعية هي مجرد بئر نفط، وآلة عملاقة، ويكاد الإنسان يختفي، وهذه الصورة المغلوطة يجب أن يصححها إثراء، إضافة لدور أرامكو الاجتماعي والإنساني كذلك الدور الذي قام به خط التابلاين على سبيل المثال، وهذا بالذات له في ذاكرة الشمال حكايات عميقة في الوجدان الجمعي ربما أعمق بكثير من آبار النفط.

@Fheedal3deem