شاكر أبوطالب

الوطن.. المشروع الذي لا يعدله شيء

الاحد - 22 سبتمبر 2019

Sun - 22 Sep 2019

تسعة وثمانون عاما، هي المسافة الزمنية التي تفصلنا عن تأسيس المملكة العربية السعودية، هذه المسافة مدلولاتها كثيرة، أبرزها متانة وحدة الوطن، واستمرارية تاريخه، وريادة قيادته، وتواصل أفكار أجياله، ووضوح ملامح هويته، وتطور طموحاته، وتنامي قيمته وثقله السياسي والاقتصادي، ومواصلة قيادته وشعبه العمل بهمة وعزيمة قوية لبلوغ القمة.

في زمن مضى، كان المجتمع منشغلا أو مشغولا بمشاريع عديدة تسيدت المشهد العام، وسيطرت على منابر المساجد ووسائل الإعلام، ولم يكن الوطن هو المشروع الذي يهيمن على الحوار المجتمعي، في ظل وجود عدد من المشاريع المضادة التي حشدت الأتباع خلفها، وتحت مظلة عناوين كبرى مطاطة كالقومية العربية، والأمة الإسلامية، وغيرهما.

نتيجة لتلك المشاريع لم يترسخ مشروع الوطن وتتضح ملامحه في الذاكرة المجتمعية، كما هو عليه اليوم، ولم ينشغل المجتمع بمشروع الوطن إلا مع حدوث بعض الأزمات، ومنها أزمة الخليج، حيث شاهد السعوديون حالة الفوضى والدمار التي حلت بالجارة الكويت، ولمسوا من معايشتهم لأشقائهم الكويتيين - الذين استقبلتهم المدن السعودية - معنى أن يصبح مشروع وطنك مهددا بالزوال. وأثناء عاصفة الصحراء، ونتيجة إطلاق النظام العراقي لصواريخ استهدفت بعض مدن المملكة، شعر السعوديون بخطورة الموقف، فتوارت جميع المشاريع المضادة لمشروع الوطن، فاجتمعوا صفا واحدا للدفاع عن وطنهم، وأدركوا أن لا شيء يعدل الوطن!

وبعد تحرير الكويت، عادت بعض المشاريع المضادة لمشروع الوطن للظهور من جديد في الحوار الاجتماعي، أخطرها مشروع تنظيم القاعدة، الذي أراد الإخلال بأمن المملكة في الداخل، والإضرار بعلاقاتها الخارجية مع دول العالم، من خلال استهداف رعايا الدول الغربية في السعودية، ومرة أخرى كانت الفرصة موائمة لاجتماع السعوديين مرة أخرى على مشروعهم/‏وطنهم، فانتهت المواجهة بالقضاء على تنظيم القاعدة.

وبعد إسقاط النظام العراقي من قبل القوات الأمريكية، وظهور تنظيم داعش وبلوغ خطره إلى مدن المملكة بعمليات إرهابية، استهدفت في المقام الأول رجال الأمن والمرافق الأمنية، تهيأت الفرصة لاجتماع السعوديين من جديد حول وطنهم.

ومع إصرار بعض المشاريع المضادة لمشروع الوطن، وغايتها التشويش على مسارات التنمية والتقدم في السعودية، كان لا بد من محاربة تلك المشاريع التخريبية، فظهرت رؤية 2030 التي نجحت في توحيد السعوديين وتحفيزهم لبلوغ جملة من الأهداف التنموية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعديد من المستهدفات التي تعزز مكانة المملكة إقليميا وعالميا، وترتقي بالمجتمع السعودي إلى مستويات متقدمة في المجالات كافة، وبعد مرور قرابة ثلاثة أعوام ونصف العام، وبلغة الأرقام، تسير جميع برامج الرؤية في المسار المخطط لها وبنجاح.

كان اليوم الوطني فيما مضى ونتيجة فتاوى دينية، كسائر أيام السنة، فلم تكن هناك إجازة لليوم الوطني، وكان الاحتفال به خجولا لا يتجاوز شاشات التلفزيون، من خلال الأغاني الوطنية والبرامج الحوارية وأفلام وثائقية قصيرة، تستحضر ذكرى تأسيس الوطن وتوحيده.

وقبل 14 عاما، تم إقرار إجازة اليوم الوطني، فبدأت تتشكل في ذاكرة الجيل الحالي ملامح الفرح والفخر بالوطن، من خلال بعض المبادرات غير المؤسسية، وبمرور السنوات تطورت مظاهر الاحتفال باليوم الوطني، وتوج ذلك إدراجه ضمن المواسم السعودية، ليصبح موسما سنويا يستمر لعدة أيام بفعاليات متنوعة موزعة في جميع مناطق المملكة.

في السعودية، نختلف في مجالات عدة، وتتباين آراؤنا في الدين والفن والرياضة وغيرها، ولكن عند الوطن نتفق جميعا، لأنه المشروع الوحيد الذي يجمعنا، ونشترك في حمايته وتنميته. رب احفظ وطننا آمنا ومزدهرا.

shakerabutaleb@