محمد حطحوط

درس من فشل إعلان شركة ألبان سعودية

السبت - 21 سبتمبر 2019

Sat - 21 Sep 2019

في بداية سبتمبر لعام 2018 وجدت شركة الملابس الرياضية نايكي نفسها في عاصفة من النقد بعد إعلانها الشهير مع لاعب كرة القدم الأمريكية كيبرنيك. بدأت القصة عندما انحنى كيبرنيك وجلس على ركبته - رافضا الوقوف - أثناء أداء النشيد الوطني الأمريكي الذي يسبق كل مباراة، وكان يرمز وقتها لتعاطفه الكبير مع حملة مجتمعية ضد تسلط رجال الشرطة على المواطنين السود في أمريكا.

ضجت المعارضة - والتي غالبها بيضاء - ضد كيبرنيك بأن في ذلك امتهانا للعلم الأمريكي، بينما رأى مؤيدو اللاعب أنه بذلك سجل موقفا يشكر عليه. زادت المعارضة وضغط رجال السياسة وشركات الإعلان، وخسر كيبرنيك عقده مع فريقه، وبهذا خرج الرجل من اللعب في دوري كرة القدم، والذي يعتبر حلم أي شاب أمريكي في عمره. بمعنى آخر: خسر كيبرنيك كل شيء، وضحى بعمره ومستقبله الكروي من أجل موقف سجله التاريخ له، تماما مثلما فعل محمد علي في حادثته الشهيرة عندما رفض الاشتراك في حرب فيتنام، حيث كلفه ذلك خسارة حزام بطولة الملاكمة التي حققها، في حين انتصر له التاريخ لاحقا ووقفت بجانبه المحكمة العليا في قصة تاريخية شهيرة.

خرج كيبرنيك من دوري كرة القدم، وأصبح ناشطا اجتماعيا يحارب العنصرية بكل صورها وتسلط الشرطة ضد الضعفاء، خاصة من بني جلدته السمراء. عندها تعاقدت نايكي مع هذه الشخصية التي أثارت صدعا في المجتمع، ليكون ممثل الشركة في إعلان يعد من أكثر الإعلانات الرياضية إثارة، نزلت بسببها أسهم الشركة 3% في الأيام التالية. بعد ذلك أطلق معارضو نايكي حملة #أحرق_حذاء_نايكي، حيث صور الآلاف أنفسهم وهم يحرقون حذاء نايكي. لم تنته الحكاية بعد، حيث زادت مبيعات نايكي في متجرها الالكتروني بنسبة 25% (بحسب CNBC الأمريكية) وبعد مرور سنة من الإعلان، فاز بإحدى جوائز الإيمي كأفضل إعلان، وربحت نايكي الرهان.

وهذا يقودنا للسؤال الجوهري: هل ينصح باستخدام الإعلانات المثيرة للجدل كاستراتيجية تسويقية؟ والجواب: على حسب عملائك، وطبيعة المجتمع. شركة نايكي كمثال تعرف جيدا أن الشباب هم شريحتها الأساسية، وهم عادة يتقبلون التجديد والأفكار الجديدة، وتقريبا تأتي حملة كيبرنيك متناغمة مع تاريخ طويل واستراتيجية واضحة لنايكي في استخدام الإعلانات المثيرة للجدل مجتمعيا لصالحها، بدأ من حملة نايكي 1988 لكبير سن، حيث تضاعفت مبيعات نايكي ثلاث مرات وقتها، ثم حملة مثيرة أخرى عام 1993(أنا لست قدوة)، ثم 1995(لو جعلتني ألعب) عن عدم المساواة في الرياضة بين النساء والرجال. ثم مرة أخرى 2007 في إعلان عن (ذوي الاحتياجات الخاصة).

هذا يبين أن نايكي لديها استراتيجية دخول الإعلانات المثيرة للجدل في أمريكا، لأنها تتناغم مع شريحتها المستهدفة، ولأنها تظهر نفسها متعاطفة مع الضعفاء والمهمشين، وهذه قيمة نفسية تسعى الشركة لربطها في أذهان عملائها.

بعد هذا كله تعرف لماذا ارتكبت شركة ألبان سعودية خطأ فادحا في الدخول لمربع الإثارة، حيث واجهتها حملة مضادة شرسة، واضطرت لحذف الإعلان وإصدار بيان اعتذار، لأن الشريحة هنا مختلفة تماما من جهة، ولأن شهية الشريحة ذاتها للأفكار الجدلية غير مرغوب فيها، على الأقل حتى كتابة هذه الأحرف.

mhathut@