مانع اليامي

سوق الأقنعة

الجمعة - 13 سبتمبر 2019

Fri - 13 Sep 2019

ضحكت بشدة، كدت أفقد توازني، ما سمعته من محدثي أفقدني السيطرة على نفسي، ليس لأنه من أتباع رفع شعار الأمانة ووجوب الطهارة في التعاملات، ولا لأنه حاول إظهار اتباعه للحق ومناصرته العدل، بل لأن الواقع المفهوم عندي بالدليل القاطع وكبير الظن أن غيري يقول إنه من أنصار الدراهم ولا بأس عنده أن يظهر التقوى وتقدير الأعراف القبلية ويبتلع ما جاء في طريقه. الأدهى أنه يصدق نفسه، ومن الوارد أن يجد من يصدقه ولو من باب المجاملة على حساب كلمة الحق، وهنا تتجسد صورة الجبناء في المشهد ويطل أهل الدرك الأسفل برؤوسهم. تبا لهذا النوع من البشر، نعم تبا لهم فلولاهم ما تحرك سوق الأقنعة.

الذي أدهشني أنه تمرس في تقمص أسلوب الواعظ، وفي المقابل لم يدهشني أن شهوة الكلام تأخذه إلى دائرة شخصيته الفعلية دون إدراك منه، عموما نكزته بسؤال ليت وعسى أن يصمت ويتصارح مع نفسه ويتركني أستمتع بفنجان قهوتي، فخير لي أن أنزوي عن الحوار على الأقل لتأمل وجه المتاعب التي تطلق سراحي تارة وتعاود ضبطي تارة أخرى.

تعلق السؤال في حديثه عن ضرورة سريان العدل في المجتمع ابتداء من الأسرة، حينذاك كان تسخين السؤال على طريقتي هو لزوم ما يلزم لإسقاط قناعه، قلت له: تعجبني تأكيداتك على تطبيق الشريعة، لكن هل ما زال الويل لأولئك الذين يغتصبون حق الأخ أو الأخت بالتحايل على قواعد تقسيم الإرث؟ كنت وقتها أتهكم بصوت مرتفع ووجهت نظراتي إليه، هذه المرة بان عليه الارتباك، تعمدت إرباكه بقصة حرامية كهرباء القرية الذين يمدون منازلهم بالطاقة من أعمدة إنارة الشارع المجاور لهم - كانوا عنوان القرية الذي لا يخشى قيمة فاتورة الاستهلاك وكان ليلهم كل ليل مشمسا من شدة الإنارة - غير أن للسوء نهاية.

تظاهرت بالانشغال ليت وعسى أن أخلق له فرصة يغادر إثرها المكان حتى لا ينقلب التلميح إلى تصريح مفتوح على التوبيخ الذي يستحقه، متمنيا أن يجرد عهدته ويعود لرشده ويتجه صوب باب التوبة. جميل أن يحدث ذلك منه وممن على شاكلته.

الخلاصة أن بعد المسافة بين القول والفعل هو مشكلة ثقافتنا في مجمل مكوناتها، وأبعد من ذلك أن المجتمع عانى كثيرا، ولا ريب أنه ما زال يعاني من المظاهر الكاذبة والوجوه المقنعة، حقا من المعيب أن تستولي هذه الفئة على ثقة البعض، والسؤال: متى يستعيد المجتمع صحته؟! أنتهي هنا، وبكم يتجدد اللقاء.

[email protected]