ياسر عمر سندي

ثالوث الظلام الوظيفي والفساد التنظيمي

الأربعاء - 11 سبتمبر 2019

Wed - 11 Sep 2019

من النظريات التي شغلت كثيرا من علماء النفس نظرية الثالوث المظلم وتسمى Dark Triad، كعلم تطبيقي للواقع الذي يعتمد على الملاحظة والتعليل والمقارنة والتسجيل، وإذا ما سلطنا الضور أكثر وتحدثنا داخل حدود الشركات نرى أن هنالك ثلاث شخصيات تشكل أضلع المثلث تعمل مجتمعة لتعتيم وتظليل الموظفين الآخرين، بمعنى أن هدف من يتبنى هذه النظرية هو إسقاط الويلات وبث السموم للقضاء على من يتعامل معهم ومن يواجههم في المجتمع، خاصة مجتمع العمل، وهو الدائرة الثانية الرئيسة من الدوائر الخمس التي تشكل التكامل المجتمعي للإنسان، مثل دائرة الأسرة، ودائرة ذوي القربى، ودائرة الصداقات، وأخيرا دائرة أصحاب المصلحة والشراكات.

ونجد أن نظرية الثالوث المظلم لسلوكيات بعض مسؤولي الإدارات وتنفيذيي المنظمات تتشكل من ثلاث سمات يحملونها، وتكون ظاهرة في تعاطيهم اللفظي في الأقوال، والعملي في التصرفات والتوجيهات، والإيمائي بلغة الأجساد، وهي كالآتي:

الشخصية الأولى «الموظف النرجسي» الذي يبالغ في التحدث دوما عن ذاته، واستحقاقه الذي يتعدى حقوق الآخرين، وأنه يمتلك ما لا يستطيع الآخرين منافسته به من صفات جمالية من حسن مظهر وارتداء ماركات متميزة يحاول الاستعلاء بها على زملائه الموظفين، وكثيرا ما يصاحب هذه الشخصية حب الأنا الواضح في تصعير الخد وتقتير الجبين والتحدث بفوقية مع الموظفين للتمكن من الوصول إلى المناصب العليا في الشركة بسرعة قصوى، وتجده يسارع في سحق وتهميش دور كل من يحاول الظهور بحسن الأداء والانضباط في الشركة.

والشخصية الثانية «الموظف المعتل نفسيا» أو ذو الشخصية السيكوباتية، وهي المضادة للمجتمع والتي تتلذذ بإيقاع الأذى والضرر على الغير، وعلاوة على ذلك فهم يسعون إلى تقلد المناصب العليا في أي شركة لتثبيط دور الآخرين وتهميش نجاحاتهم، تحقيقا لهدف ذاتي دفين ويرون الآخرين عتبات يطؤون عليها لتحقيق نجاحاتهم، وسلم ارتقاء للوصول إلى حاجاتهم، لا يلتفتون إلى العواطف ولا تعنيهم المشاعر ولا تعززهم المبادئ ولا الأخلاق، همهم الرئيس هو الرقص على جثث الآخرين.

والشخصية الثالثة «الموظف النفعي» وهو لا يرى سوى تحقيق مصلحته الشخصية وبأي طريقة كانت، سواء مشروعة أو غير مشروعة، فاقد لأي مبدأ أخوي وتجده كثير التنقل بين الإدارات والشركات، ويحمل معه ردات فعل مجردة كليا من أي ملامح إنسانية، فالغاية لديه تبرر الوسيلة، وتجد كثيرا من هذه الشخصيات تحابي الرؤساء وتفعل ما لا يفعله الآخرون من أمور بعيدة عن المبادئ والمثل، همهم إرضاء من يرون مصالحهم بيده ولأجله.

هذه التوليفة للسمات الثلاث السلبية المتسلطة تعمل بشكل متداخل ويعتلون إلى قمم الهرم التنظيمي بكل يسر وسهولة هدفهم السيطرة على الوضع لغاية أمر في أنفسهم، ومظهرهم حب التملك والمداهنة والظلم لإبراز مكانتهم وتلميع صورهم. ومن الملاحظ على مجمل المنظمات

التي تضم شخصية الثالوث المظلم أن مصيرها التخبط الإداري والفشل التنظيمي والارتباك المالي لمركزها التنافسي، وذلك نتيجة لبروز الصراعات والتنافسات غير الشريفة وتفشي ظاهرة الاختلاسات والسرقات داخل الشركة مما يؤدي إلى تدني مستوى الأداء وارتفاع معدلات الدوران الوظيفي بخروج الموظفين واستقالاتهم وتقاعدهم المبكر.

ومن وجهة نظري السلوكية أقترح على من يواجه في مجال عمله مثل هذه الشخصيات أن يتقن أيضا ثلاث مهارات تعمل كخطوط دفاعية منيعة لصد زحف الثالوث المظلم.

أولا، إتقان التعامل بالشخصية الحازمة للسيطرة على تجاوز سلوكيات الثالوث المظلم، والعمل على إيقاف أي تطاول لفظي أو عملي أو إيمائي بكل السبل والوسائل القانونية والإدارية والتنظيمية المتوفرة.

ثانيا، تعزيز التعامل بمبدأ الذكاء العاطفي لإدارة المشاعر الذاتية وعدم الخضوع لسلوكياتهم، والتعاطي بأسلوب الدهاء المضاد باستيعاب أساليبهم الشيطانية وإفشالها وعدم تمريرها، وفضح مخططاتهم وعدم التستر عليها وعلى من يساعدهم في ذلك.

ثالثا، تعلم مهارة إدارة الصراعات والتفاوض في مواقف المواجهة، وعدم التهاون والتبلد أمامهم.

إضافة إلى ذلك ضرورة تعزيز ثقافة إبلاغ هيئة الفساد، والتي وجه بتفعيل دورها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لاجتثاث هذه الشخصيات من المنظمات العامة والخاصة، للارتقاء بالوطن وتقديم خدمات مجتمعية واقتصادية وتنموية قائمة على مبدأ الحق والعدل والمساواة. فليس هنالك شخصيات مريضة ومتسلطة، بل هناك شخصيات متهاونة ومتبلدة.

@Yos123Omar