أحمد الهلالي

شهيد عفف.. دمه ينادي المسؤولين!

السبت - 07 سبتمبر 2019

Sat - 07 Sep 2019

كم من غابات ومروج وأنهار ساحرة، لكنها موحشة دون الوجود البشري الذي يعطي الطبيعة قيمتها الحقيقية، وهذا حال جبل بني هلال (عفف) الواقع بين محافظتي الليث وأضم، فهو أعلى قمة تطل على السهول (الخبت) ويمكن في حالات الصحو أن تشاهد البحر الأحمر من على قممه الشماء.

يمتاز هذا الجبل ـ الشامخ فوق سطح البحر بأكثر من 1200 متر تقريبا ـ بمناخ بارد شتاء، معتدل صيفا، ويحوي الكثير من الآثار القديمة، فعلى قممه عدد من المزارع والآبار والدور القديمة، والنقوش، وفيه آثار عجيبة، منها صخرة أبي زيد الهلالي ومطحنته العملاقة، ومنها (أم العُتبان) وهي عبارة عن ثقوب أحدثها الإنسان القديم في صخور صلدة، وأدخل فيها أخشابا ما تزال إلى اليوم، ولا يستطيع أحد بلوغها، ناهيك عن مبان حجرية معجزة مثلها، لا يُعلم تاريخها، ولا الكيفية التي بنيت بها، تحاك حولها الكثير من القصص والأساطير.

آخر رجل كان يقطن هذا الجبل هو المعمر أحمد بن عدوان الهلالي ـ يرحمه الله ـ وحين مسه الكبر اضطر إلى النزول إلى السهول، بعد أن رفض كل العروض المغرية في أيام شدته، وظل عفف بعده موحشا سنين عددا، حتى قيّض الله له (شهيد عفف) حسين بن حريفش الهلالي.

حسين وعفف متشابهان، عنادا وإصرارا وشمما، أبى أحدهما أن يلين للآخر، فبعد أن خاطب المواطنون الجهات الحكومية المختلفة، وبثوا التقارير عبر الوسائل الإعلامية، لاستغلال هذا الطود العظيم، وتطويع عناده، لم تلق استجابة كل المحاولات، فقرر حسين المغامرة، فاستأجر معدات على نفقته، وأعانه بعض المتطوعين بمبالغ مالية محدودة تعينه على مشروعه، واستطاع أن يطوّع عفف للآلة الحديثة حتى بلغ ذروته، وحين شعر أن المسؤول يستطيع أن يصعد بسيارته، خاطب الجهات المسؤولة من جديد، واستضاف كثيرين على قممه، في محاولات منه أن تقوم الجهات بدورها وواجباتها في فتح الطريق، لكن حاصل الإجابة (وعود لم تنفذ).

عاد عفف بعناده من جديد، ومحا آثار طريق حسين بسيوله الهادرة، ليعود حسين ويفتحه من جديد، وهكذا ظلا يتبادلان معركة الرسم والمحو، والديون تتكاثر وتثقل كاهل الرجل الفقير المعتاش على راتبه التقاعدي الضئيل، لكن همته كجبل عفف، قاومت الديون المتراكمة، ولم تنثنِ عن مواصلة المشروع، فاضطر إلى شراء معدتي بلدوزر (دركتل) بمديونية على حسابه الخاص، وعاد إلى عفف في معركة الكر والفر، عفف يمحو وحسين يرسم، حتى سقط شهيدا بين صخور عفف وجنازير البلدوزر ـ يرحمه الله ـ مضرجا بالهمة والإصرار والطموح، مخلفا لأيتامه وأرملتيه دينا ثقيلا، وكل قطرة من دمائه تقول للجهات المسؤولة: لماذا تراخيت عن الاستجابة لمطالبه بعد كل تلك التضحيات التي قدمها الشهيد من أجل مجتمعه؟

استشهد حسين، وبقي قاتله (عفف) شامخا هازئا بنا بعده، فمن سيأخذ بحق الشهيد؟ وهل ستطوي الأيام كل جهوده وتضحياته؟ وهل سيذهب دمه هدرا؟ وهل ستظل كل تلك الديون شبحا يطارد أيتامه؟ هذه الأسئلة أوجهها على سبيل المناشدة إلى أمير منطقة مكة المكرمة، وإلى وزارة النقل، ووزارة البلديات، والهيئة العامة للسياحة، والرجاءات تترى مني ومن أيتام حسين ومحبيه وأهل عفف جميعا في محافظتي الليث وأضم.

نرجوكم باسم الوطن والمواطن وبدم حسين أن تأخذوا بثأر هذا المواطن الصالح الذي ضحى بكل ما يملك وما سيملك من أجل المصلحة العامة، وأن تواصلوا مشروعه وتفتحوا الطريق الذي رسمه باسمه (طريق حسين بن حريفش)، تخليدا لذكراه واحتراما لقصة كفاحه وعزيمته وإصراره، فلا عزاء في حسين إلا أن تطوعوا عناد عفف، وتذللوا مناكبه لمشيئة الإنسان معلما سياحيا وطنيا، يضاف إلى معالم الوطن الغالي.

ahmad_ helali@