رابعة منصور

صكوك الرجولة

السبت - 07 سبتمبر 2019

Sat - 07 Sep 2019

في خضم الفوضى «الجندرية» ومعركة الحقوق الدائرة بين الجنسين التي يعيشها العالم أجمع، وما تمخض عنها من ظواهر اجتماعية يكاد لا يدرك أسبابها ولا نتائجها إلا القلة، لفتني امتعاض نساء بلدي من ظاهرة تأنث الرجال الدخيلة على مجتمعنا، وأحيانا أخرى محاكمة الرجال على أي سلوك جديد غير معهود، والسبب في كل مرة شماعة الرجولة، علما أن النساء يرفضن تأطير الرجال لهن ومحاكمتهن!

دفعني هذا للتساؤل: ما هي الرجولة التي تتعلق بها النساء؟ ولماذا تتعلق النساء بالرجولة ويوزعن صكوكها رغم أن فروضها كانت في أحيان كثيرة سبب معاناتهن؟ ما هو أصل هذه المفردة؟ وما الثمن الذي دفعه الرجال في سبيل مفهوم هذه المفردة، خاصة في ظل ازدياد متطلباتها؟

أصل مفردة الرجولة هو ذاته جذر الفرق بين المرأة والرجل في كل الثقافات، فالرجل كان المحارب المقاتل والحامي والممول، والمرأة كانت المنجب والمربي. هذا ما يفسر تقاتل العرب قديما على الولد بغض النظر حتى عن سيرة أمه الأخلاقية، وقصة الاختلاف على نسب الشخصية التاريخية زياد بن أبيه خير مثال في هذا المقام؛ وسبب التفضيل لأن الرجل كان استثمارا طويل المدى، وليس لأن المرأة كانت عارا كما يشاع.

الرجولة هي التي حمت حدود البلدان على مر التاريخ، وهي التي بررت لأن يكون الرجال ضحايا الكوارث، وربما معظمنا يذكر فيلم تايتنك الشهير وكيف كان القرار بإنقاذ النساء والأطفال وترك الرجال لمصيرهم بسبب قلة قوارب النجاة!

الرجولة هي الأسر الذي قيد الرجل وجعل مس نسائه عارا عليه، رغم أنه كان من الأولى أن تزر كل وازرة وزرها وحدها، وربما يلفتنا هنا أنه في كل حركات المطالبة بحقوق المرأة في الغرب والشرق لم توجد إلى الآن مطالبات نسائية بتسنم الصفوف الأمامية في جبهات الحروب.

يقول الأمريكي بريت ماكاي Brett McKay مؤسس موقع «فن الرجولة» الذي يعد من المواقع المستقلة المهمة على الانترنت: في كل ثقافات العالم تم التمييز بين الرجولة والذكورة، كون الذكورة مسألة بيولوجية خالصة كنتيجة للولادة بكروموسوم XY، لكن الرجولة ظلت لقب شرف وجائزة يجب كسبها من خلال الكفاح وتجارب الشجاعة والمهارة والقدرة على التحمل. فالفتى على مر السنين لا يكون رجلا تلقائيا، بل بالسعي لإظهار التفوق في فصول الرجولة، خاصة الفضائل التكتيكية للقوة والشجاعة والإتقان والشرف.

النتيجة أن مفردة الرجولة حملت الرجال ما لا يطيقونه، وصارت قيدا يعتدى به على إنسانيتهم أحيانا، وذلك تفسره مآسي صمت الرجال عما يتعرضون له من ضغوط توصلهم أحيانا إلى الانتحار في الدول التي يقل فيها أثر المدد الروحاني، وتشهد على ذلك معدلات انتحار الرجال المرتفعة عن النساء، حيث إن عدد المنتحرين من الرجال في معظم دول العالم هو ثلاثة أضعاف عدد النساء بحسب موقع BBC.

يقول (جوانا شرودر، 2018) «تجعل فروض الرجولة السامة من الصعب على الرجال رؤية أنفسهم كضحايا، لذلك غالبا ما يقابل الرجال الذين يتعرضون للأذى أو التحرش بعبارات تصورهم كضعفاء يحتاجون للحماية «كالنساء»، أو يواجهون أنفسهم بسؤال (هل أنا مثلي)؟ كل هذا يدفع الرجال إلى الصمت، مما يجعل الجميع يعتقد أن الرجل لا يتعرض للأذى.

وتقول الدكتور ميرفت جودة المعيدة بكلية البنات جامعة عين شمس، والمتخصصة في علم النفس: إن تهمة نقص الرجولة هي أكبر مخاوف اعتراف الرجال بما يتعرضون له، فعبارة «رجولتك نقصت» التي توجه للرجال بعد التحرش مثلا، هي ما يمنعهم عن الحديث عما يواجهونه.

واليوم ما مقاسات الرجولة التي تريدها النساء لكي يمنحن صكها للذكر؟ هل آن الأوان للرجال أن يتحرروا من قيود الرجولة ويضربوا بمفهوم هذه المفردة عرض الحائط، بدل أن يعايروا بالذكورة، وبذلك يكون تحقق أساس مهم من أسس المساواة؟ أو قد يكون آن الأوان للنساء أنفسهن أن يخلقن مفردة خاصة بهن تحمل من المعاني كتلك التي تحملها مفردة «الرجولة»؟ والأهم، ما تبعات سقوط صكوك الرجولة، أو تشريع صكوك رجولة أنثوية؟

@Rabeahmansoor