محمد أحمد بابا

جائزة التعليم.. ورق وملفات وسحابة بيانات

السبت - 07 سبتمبر 2019

Sat - 07 Sep 2019

من المناسب وجود جائزة للأداء، وأن تتفرع تلك الجائزة لتشمل أذرع الخدمة بتأييد منطقي من المستفيد وتصديق موضوعي في التقويم، لكنه ليس من الطبيعي أن ترتكز حظوظ القائم بالخدمة في ذكائيات الشواهد وبراعة رفع البيانات والقدرة على جمعها وترتيب منطقيتها ليسرّ الملف الناظرين.

من يدخل دهاليز إرهاصات بدء الترشح لجائزة التعليم سيرى الكثير ويقف على الصادم والغريب، ولو تصدرت صحافة محترفة لإجراء تحقيق صحفي عن ذلك لأظهرت لنا سوقا مكتبية حرة، وأخرى سوداء كدعم لوجستي في إعداد الملف وتجهيزه ومتابعة الملاحظات ونحو ذلك من قبل من لا علاقة لهم بالتعليم، ورزق الذين يعرفون على الذين لا يودون أن يعرفوا.

عاديّ جدا أن يعتذر معلم مرشح لجائزة التميز في التعليم عن حصصه، وتكون كلها في أيام معينة حصص انتظار لأنه مشغول جدا في اجتماعات تميز ومتابعة سير خارطة ترشيحه، وجمع شواهده التاريخية من أول يوم دوام له حتى تاريخه، وربما صنع شواهد جديدة في احترافية كبيرة، كما أنه عاديّ جدا أن تعلن حالة الطوارئ في مدرسة للبنات أو البنين مرشحة للجائزة، ليكون القائد والقائدة على رأس الطبخة، يوائم بين المقادير ويستجمع الشوارد والنوادر ويلمع مسرح الحدث للتصوير، وتحظى الملفات الورقية بزبرقة عروس في ليلة عرسها، وأكثر من العادي أن ينشغل مع فلان وفلانة رهط من الزملاء والزميلات الذين تعتبر لهم (فزعة العمر) وعلى الطلاب والطالبات السلام.

لست هنا أعمم، ولا أقول الكل أبدا، ولكن الواقع يجعل قليل الخطأ في هذا المجال وانحراف مساره سبيل قشور وشكليات تهدر مالا وجهدا، ولا فائدة من ورائها تُرجى سوى عوائد مادية وإعلامية على ذات الاسم وحده على المديين الطويل والقصير.

متأكد أن هناك آلية واضحة ولوائح دقيقة ومعتمدة لهذه الجائزة ومراحل الترشح لها، لكنها - مع كامل احترامي - لم تمنع عنها الدفع نحو البهرجة وعدم المصداقية في أدنى اختبار من هيئة تقويم محايدة.

ولربما الملفات التي تدعمها إدارات التعليم - وحق لها - فهي أعلم بميدانها لم تجد شفافية توارد معلومات ليكون منافسون ومنافسات على بينة، متأثرة بثقافة البيروقراطية وسرية المعلومات المزعومة التي تضر ولا تنفع، حتى تحصل مفاجأة غير متوقعة لآخرين تجعلهم بين نار (الإفصاح) فيُتهمون بالحسد، وشواظ (التمرير) فتعيش معهم الغصة حتى مرحلة التقاعد.

مراكز قياس الأداء، وهيئة تقويم التعليم والتدريب، بل وأجهزة وزارة التعليم نفسها قادرة على مسح لتقييم مخرجات هذه الجائزة منذ نشأتها، ووضع المميزين على المحك، لترى وتشاهد وتقف على ما صنعته ببعض مميزين حصلوا وحصلن على مفاتيح السيارات ولمّا يحصلوا على مفتاح الوصول لخدمة المستفيد.

هناك غبار كثيف على إرث ومخلفات ملفات لمرشح هنا، فاز فذهب التخطيط أدراج رياح السنة التي هو بعهدها ونام في العسل، وهناك قائدة تميزت مدرستها ثم نقلت، فتخاصمت المدرستان هل التميز لها أم للمدرسة؟ وبقي الحال على ما هو عليه حتى اللجوء لدورة جديدة من الجائزة.

وفوق هذا كله أقول: للوقت في خدمة التعليم قيمة، والقيمة مدفوعة ماليا من ميزانية الدولة، وهي - أي القيمة العائدة على الوقت - مخصصة لمنهج ودرس وطالب يتعلم ومعلم يديرها، وصرف أي قيمة في غير وجه حق بمسوغ الجوائز ظلم عظيم وإضاعة مجتمع وأمانة.

وربما لم تستفد وزارة التعليم من تجربة الجهات الرائدة الوطنية في منح الجوائز التخصصية، مثل مؤسسة الملك فيصل الخيرية ونحوها، أو الجهات العالمية المتميزة لتستطيع تحسين تجربتها بدل تشويهها بملفات إنجاز حققت ربحا ماليا كبيرا لقطاع الخدمات المكتبية واللوازم المدرسية والطباعة والنسخ والتصوير.

قشور الجوائز لا تبني جيلا، ولا تحفز آخرين، ولا تصنع بيئة تنافس عملية مهنية، وقطاع التعليم عريض التمدد، لصيق الحاجيات بالإنسان، والمعلمة والمعلم فيه ركنا الأداء، يستحقان من الماديات الملايين، لكن ميدان التعلم وإدارة المعرفة في الحجرة الدراسية ونواتج ذلك أرفع درجة بكثير من رجل هو ألحنُ بحجته من صاحبه فيُحكم له.

albabamohamad@