علي الحجي

الأجهزة الالكترونية والطفل الروبوت

الخميس - 05 سبتمبر 2019

Thu - 05 Sep 2019

ما من أحد منا إلا ولديه أطفال يهمه أمرهم، أبناء أو إخوة، أو أقارب، يحبهم ولن يتردد لحظة في حمايتهم.

واليوم نعيش طوفان تكنولوجي متسارعا لم يمهلنا للم شتات وقتنا، واتخاذ قراراتنا بشكل متزن ناضج، فالآباء أسرى الواتس اب، والأمهات مشدوهات بطبخات انستقرام، والشباب مسحورون بلعبة ببجي، والمراهقون مخطوفون من فورتنايت، والأطفال يتنقل بهم يوتيوب من محطة لمحطة ومن مقطع لآخر، وإن علمنا بداية المشوار فلن نعلم منتهاه.

وحديث اليوم خاص بأثر الأجهزة والألعاب الالكترونية على الطفل في أول سنوات عمره، كونها أول وأهم مرحلة يتم فيها تأسيس قواعد بنيانه، ورغم ما تقدمه هذه الأجهزة من أدوات وبدائل غزيرة ومتنوعة للتعلم والترفيه، إلا أنه لا يخفى أثرها السلبي المتراكم على الصحة الجسمية والذهنية والنفسية، وعلى النمو الاجتماعي السليم.

فالوالدان والعاملون في مجال التعليم يلاحظون ازدياد حالات التأتأة، وفرط الحركة وتشتت الانتباه، والسلوك الاندفاعي غير المتزن، وضعف التركيز، والتململ السريع، والسمنة المفرطة، وضعف اللياقة البدنية، وضعف البصر، والتشنجات العضلية اللا إرادية الملحوظة على عضلات الفم أو العين أو الشديدة التي تصل لنوبات الصرع، وتوحد العلاقات الاجتماعية مع أقران من العمر نفسه فقط أو الميول نفسها، وعدم القدرة على بناء علاقات اجتماعية متنوعة ومرنة، وما هذه إلا انعكاسات ومشكلات نمائية بسبب عدم النمو الطبيعي السليم للطفل.

كما أنهم يواجهون مشكلات تتعلق بالكتابة الإملائية السليمة، وكتابة الحروف بالشكل الصحيح، بسبب اعتمادهم على لوحة المفاتيح التي أفقدتهم شكل وروح الحرف والكلمة، كما أفقدتهم مهارات إعادة صياغة الجمل، والتلخيص، ناهيك عن استنباط المعاني من النصوص.

وإن كان بعض الآباء يعتبرون أن من علامات النبوغ والذكاء قدرة ابنهم الصغير على فتح الأجهزة والبحث عن مقاطع أو ألعاب أو تحميل برامج وتحديثها، كحيلة دفاعية تعفيهم من مسؤولية ترك ابنهم صيدا سهلا لهذه الأجهزة، فإن ما يحدث فعلا هو عكس ذلك تماما، حيث يستغل الأطفال الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل سلبي وضار ومعيق لنموهم الجسمي والذهني والنفسي السليم، والذي سينعكس بالتأكيد مستقبلا على الطفل وتحصيله الدراسي وسلوكه الاجتماعي وقدرته على التكيف مع متطلبات الحياة.

كما أن جلوس الأطفال لساعات طويلة من يومهم على الأجهزة الالكترونية أفقدهم جمالية الطفولة وشقاوتها وحراكها، والتعلم الطبيعي من خلال اللعب والتنزه وغيرها من الأمور التي تنعش وتنمي قدراتهم العقلية والذهنية.

ولعل من الأسباب

التي جعلت الأجهزة الالكترونية تسحب البساط من الأنشطة والممارسات الحياتية الطبيعية، هو ما توفره هذه الأجهزة من خيارات إبهار وإثارة وسلاسة، تشبع رغباتهم بأقل جهد بألوانها ومقاطعها واستجاباتها المثيرة التي تحرك كوامن التحدي والانشراح والإبهار فيهم.

أما الآباء فلم تمكنهم قدراتهم من إدراك الخطر والتعامل معه وضبط توازناتهم وأولوياتهم التربوية والتعليمية، بفعل التسارع الهائل لتطور الأجهزة الالكترونية ومستجداتها المتلاحقة التي لم تكتف بالأبناء فقط، بل ألحقت آباءهم بدوامتها التي لا تنتهي.

لذلك لا بد للوالدين من تدارك وضعهم قبل وضع أبنائهم، بتقنين الوقت والمحتوى لاستخدام هذه الوسائل للأبناء، وفرض هذا التقنين على الوالدين أيضا لإيجاد وقت كاف لمشاركة الأبناء اللعب والترفيه والتنزه.

@aziz33