أحمد الهلالي

التلفزيون يسقي آلام الغانم وبخش!

الثلاثاء - 03 سبتمبر 2019

Tue - 03 Sep 2019

استكمالا للحديث عن التلفزيون بعد مقالتي السابقة (التلفزيون بين البشوتية والانهزامية)، تنبثق هذه المقالة من مقولة المخرج السعودي المعروف عبدالخالق الغانم في شهادته في ندوة (الدراما السعودية ـ تجارب وشهادات) في سوق عكاظ 13 هذا العام «الدراما السعودية ما تزال تحبو».

كان عتبي على الفنانين السعوديين كبيرا، وقد كتبت عن ذلك العتب في مقالات سابقة، لكن استماعي لآلام الفنانين في تلك الندوة فتح ذهني على أبعاد أخرى مختلفة، فلم أتصور أنهم يتصعّدون في الفراغ بلا سلالم، ولم أظن لوهلة أن ظروف عملهم تعصرهم في تلك المساحات الضيقة، والعوائق المتكاثرة، فقد كان حديث الفنان محمد بخش يصدر عن مرارة حقيقية، وألم عميق، لا يقل عن ألم عبدالخالق الغانم الذي تنمّ عنه ابتسامة الخيبة.

الفنان السعودي منتجا ومخرجا وممثلا يعاني غياب الدعم، ذلك ما قاله بخش في شهادته، فلا يجد الفنان الدعم الحقيقي الذي يدفعه إلى العطاء، وجل الأعمال التي شاهدناها لا تعدو اجتهادات موهوبين، وشغف هواة (كما سمّاهم الغانم)، فلكي ينتج الفنان عملا فإنه يدخل في دوامات عدة، بحثا عن الدعم المالي واللوجستي، ويدخل في مساومات وتخفيضات، أضف إلى ذلك أن النصوص الحقيقة بعناء العرض في هذه الظروف شبه نادرة، مما اضطر الفنان إلى العمل كاتبا ومنتجا ومخرجا وممثلا، فتظهر الأعمال على غير الصورة المتوقعة، وكل هذا يأتي بسبب غياب العمل المؤسسي، فلا التلفزيون قام بدوره، أو على الأقل تمسك بالنجوم الذين خرجوا من عباءته، ولا الجهات المختصة منحت الفنانين حق إنشاء نقابة، تعمل على توفير الجهود وحشد الطاقات، وصناعة النجوم، وخلق بيئة درامية متفاعلة لا تنتظر رجب لسلق حلقات الفراغ الرمضاني!

لا يستحق وطننا كل هذا التراخي في دعم قوتنا الناعمة، فالدراما من أهم الأذرع الثقافية التي تؤثر في الداخل والخارج، ومن خلالها نستطيع تحقيق أهداف شتى لا يحققها الخطاب الإعلامي المباشر، فإن تصوير حلقة درامية مؤثرة في منطقة من مناطق المملكة سيعطي المشاهد معلومات كثيرة عن الإنسان والمكان، وينقل الصورة الحقيقية لوطننا ومجتمعنا، ويعرض إرثنا ومنجزاتنا، ويوثق مراحلنا التاريخية، فوطننا زاخر بالإرث الحضاري العميق، والتنوع الجغرافي والديموغرافي، وجل هذا لا يتوفر لكثير من البلدان التي تحدت ظروفها فقدمت مجتمعاتها من خلال الدراما.

وفي هذا السياق لا أنسى خيبة الغانم حين سلمت عليه قبل الندوة، وكان يتلفت في القاعة الكبيرة ليراها على غير ما توقعه، فلا كاميرات تلفزيونية كالتي تعود عليها في (طاش ما طاش) ولا حضورا ولا معجبين يتزاحمون حوله وحول زملائه الفنانين (محمد بخش/ مريم الغامدي/ فاطمة البنوي) وكأننا لم نر هؤلاء النجوم على الشاشة يوما، ولم يشكلوا وجداناتنا بإبداعاتهم التي لا ننساها، فلربما لم يعلم أهل الطائف، ولا زوار عكاظ بحضورهم أصلا، لضعف آلتنا الإعلامية، أو انشغالها، أو استسلامها للبيروقراطية الإدارية، وانتظار دعوة المنظمين!

نحن اليوم في عالم لا يعترف بالاستكانة، ولا تعنيه صورة المجتمعات الكسولة، المعتمدة على استهلاك منتجات الآخرين، فمع أننا نملك كل مقومات الإنتاج الفني عالي الجودة، إلا أننا نتغافل عامدين عن هذا الجانب الحيوي المهم، الجانب الذي نستطيع أن نخاطب الآخر من خلاله ونؤثر في وجدانه، ونصحح تصوراته عنا، فليت التلفزيون يبني استراتيجيات حقيقية في هذا الاتجاه، ويتحرك إلى بناء مشروع وطني عملاق يشعر به القاصي والداني، ويستثمر فيه كل هذه الطاقات الوطنية الوثابة.

ahmad_ helali@