موفق النويصر

متى نتخلص من «بي إن» القطرية؟

السبت - 31 أغسطس 2019

Sat - 31 Aug 2019

مثّل تاريخ 16 نوفمبر 1993 نقطة تحول في حياة السعوديين، عندما أطلقت شبكة راديو وتلفزيون العرب art مجموعة قنوات مشفرة، تضمنت للمرة الأولى قنوات رياضية تعنى بنقل المباريات والبطولات الرياضية المحلية والعالمية بجودة عالية، والأهم من ذلك على قناة واحدة، بدلا من التنقل بين القناتين الأولى والثانية الرسميتين.

لحقتها بعد عام شركة أوربت للاتصالات وأطلقت أول شبكة تلفزيونية رقمية بالكامل، تضم أيضا قناة رياضية، منحت لمشاهديها بعدا آخر للنقل التلفزيوني.

وظلت هاتان القناتان تتنافسان على إرضاء ذائقة المشاهد لنحو 8 سنوات، حتى أعلن التلفزيون السعودي في سبتمبر 2002 إطلاق أولى قنواته الرياضية، التي لم تنتظر طويلا لتثبت لجمهورها أنها لا تختلف عن شقيقتيها «غصب 1» و»غصب 2» في تقديم مشاهدة رديئة، تفتقر لأبجديات العمل الإعلامي المحترف.

وكان عزاء المشاهدين الوحيد حصولهم على المتعة من خلال قنوات art، رغم سلبيتها الوحيدة - بالنسبة لهم - وهي الدفع مقابل المشاهدة.

واستمر الحال على ذلك حتى أعلنت art في نوفمبر 2009 انسحابها من سوق النقل التلفزيوني، لعدم تكافؤ المنافسة بينها وبين قنوات الجزيرة الرياضية المدعومة بالكامل من حكومة قطر، وانتقال جميع حقوق النقل التلفزيوني بما في ذلك الدوري السعودي للقناة القطرية.

بعد هذا الخروج الحزين، وتحديدا في ديسمبر 2010 المتزامن مع انتهاء امتياز نقل الدوري السعودي على الجزيرة الرياضية ومنح الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز هذه الحقوق لـ «الرياضية السعودية» لثلاث سنوات، ظهرت قناة Linesport كقناة خاصة تحمل شيئا من احترافية art مع مجانية المشاهدة.

وتمكنت خلال 4 سنوات من جذب مختلف المشاهدين حولها، بسبب تنوع برامجها واختلاف طرحها عما تقدمه «الرياضية السعودية» التي احتكرت النقل التلفزيوني على قنواتها الـ 6.

في مطلع سبتمبر 2014 قررت Linesport مغادرة المشهد الرياضي نهائيا، بعد خسارتها في سباق شراء حقوق نقل بطولة الدوري من أمام قنوات MBC Pro Sports التي انطلقت في أغسطس 2014، وفازت به لعشر سنوات بمبلغ وصف بأنه الأضخم.

وكأي مشروع جديد بدأت MBC Pro Sports بتعثر ملحوظ، إلا أنها سرعان ما عرفت طريق النجاح مرة أخرى، وتمكنت في سنتها الثانية من استعادة ثقة الشارع الرياضي، رغم أحاديث التشفير الجزئي والكلي التي ظهرت على السطح.

في 2018 ودون سابق إنذار أعلنت الهيئة العامة للرياضة فسخ العقد مع MBC Pro Sports والتوقيع مع شركة الاتصالات السعودية STC على رعاية كل المسابقات المحلية والنقل الحصري التلفزيوني والرقمي لـ10 سنوات، كأكبر عقد رعاية في الشرق الأوسط.

وعلى غير المتوقع جاءت البداية مرتبكة وغير واضحة للمشاهدين حول الآلية التي ستنقل بها STC مباريات الدوري، ليفاجؤوا بإسناد المهمة لـ «الرياضية السعودية» بالتزامن مع بث المباريات عبر تطبيق دوري بلس.

في نهاية موسم 2018 تم الإعلان عن إطلاق شبكة قنوات VIBE الرياضية، وتكليف أحد الإعلاميين بإدارتها، قبل أن يصدر لاحقا قرار بإلغاء المشروع.

المفاجأة كانت عندما أعلنت STC قبل أيام من بداية موسم 2019 انسحابها من رعاية الدوري «لعدم جدواه تجاريا» بحسب بيانها الرسمي، وتكليف هيئة الرياضة «القناة الرياضية» بالنقل التلفزيوني، وإلغاء الامتياز الممنوح للتطبيق «المحترف» دوري بلس والاستعاضة عنه بالتطبيق «البدائي» GSA Live.

الأكيد أن الجيل الحالي ليس مفتونا بمتابعة مسابقاته المحلية فقط، بل هناك الملايين ممن يلاحقون الدوريات والبطولات القارية والعالمية بمختلف أنواعها ومسمياتها، ونجومها أينما حلوا أو ارتحلوا، وغيرهم كثيرون مهتمون بالرياضات الأخرى، لذلك تجدهم لا يمانعون مبدأ الدفع مقابل المشاهدة، طالما أنها تستحق الدفع.

هذا الأمر الذي تنبهت له الدوحة مبكرا، فأنشأت قنوات «بي إن» المتخصصة، واستحوذت على حقوق النقل التلفزيوني للدوريات والبطولات القارية والعالمية لكرة القدم والرياضات الأخرى، لتضمن أن تكون كعبة المشاهد الرياضية التي يولي وجهه نحوها أينما كان طوال اليوم، ومن ثم استخدمتها كقوة ناعمة لتمرير مشروعها السياسي وهويتها الثقافية لعموم المشاهدين من المحيط إلى الخليج، في الوقت الذي توقفنا فيه عند محطة التأسيس والانطلاق من الصفر، وسحق ما بين أيدينا وتقويض أركانه.

لذلك أرى أننا لن نبلغ هذا النجاح طالما ظل مشروع الإعلام الرياضي لدينا في أيدي أشخاص لا يرون في الرياضة سوى نقل تلفزيوني لبطولة محلية، وهل تقدم بالمجان أو بمقابل مالي؟

إن تطبيق استراتيجيات القوة الناعمة اليوم لم يعد نوعا من الترف أو التثاقف، بل صارت الحاجة ملحة لاستخدام كل عناصر تلك القوة، والرياضة من أهم مفاتيحها، لمشروع «السعودية الجديدة».

وما لم ننجح في تشخيص علة «إعلامنا الرياضي»، ويصاحب ذلك إرادة عليا لإنهاء هذا المسلسل الهزلي، سيستمر المشاهد يتقلب بين قنواتنا المحلية لدقائق معدودة، قبل أن يستقر به الحال في نهاية اليوم عند «بي إن» القطرية.

@Alnowaisir