فهيد العديم

بين البرجس والنويصر.. صراع الإعلان والإعلام!

الاثنين - 26 أغسطس 2019

Mon - 26 Aug 2019

تجددت حرب أنعم وأرقّ من أن تكون ضروسا بين الزميلين برجس البرجس، والزميل رئيس التحرير موفق النويصر، أو بالأصح الكاتب موفق النويصر، لأن الرئيس أجاز مقال برجس، رغم أن المقال أثار حنق موفق الكاتب، فسنّ قلمه مبارزا من أسماهم (فقاقيع السوشال ميديا)، هي مبارزة بين صحفي (إعلامي)، وبين أحد نجوم السوشال ميديا، فالزميل برجس ليس صحفيا، ورغم أن له حضورا في الإعلام ككاتب ومحلل اقتصادي، لكنه نجم من نجوم السوشال ميديا.

وأنا هنا أزعم أنني سأكتب بأريحية لأنني لستُ محسوبا لا على الإعلام ولا الإعلان، ولهذا أقول إنه من غير المنطقي مقارنة الصحافة بالسوشال ميديا من الأساس، فالأخيرة لا علاقة لها بالإعلام (الصحافة) - لا أدري هل يوجد أعلامي غير الصحفي أم لا ؟! - فنجوم السوشال ميديا لا يمكن أن يصنعوا خبرا أو قصة صحفية أو تقريرا رزينا، هم تماما كالشركات المتخصصة في الدعاية والإعلان، ومن غير المنطقي أن تقارن بين الصحافة وبين شركات الدعاية والإعلان.

إذن لماذا ربط نجوم الإعلان بالسوشال ميديا بلقب (إعلامي)؟ رغم أنهم - فيما أعتقد - لا يقدمون أنفسهم كإعلاميين. أعتقد أن الجهات التي تستعين بهم هي من تحاول إضفاء لقب (إعلامي) على هؤلاء المشاهير، لأنها ستشعر بالحرج لو قالت إنها دفعت الملايين لأشخاص لغرض عمل دعاية لها، وهنا أقصد الجهات الرسمية /‏ الحكومية، أما الجهات الخاصة فإنها لا ترى في ذلك حرجا ما دام المستهلك يعلم أنها مادة إعلانية.

وهنا يتسلل سؤال:

إذا كان الغرض تسويق منجزات وزارة ما، فما الفرق أن تقوم بذلك الصحافة أو المعلنون في السوشال ميديا؟ الجواب هو أن الصحفي لا يمكن أن تفرض عليه هذه الجهة مادة معينة لعرضها، فهو من يحدد هل ذلك إنجاز يستحق الاحتفاء أم لا، ولو دُفع للصحفي مبلغ لنشر مادة معينة فإنه لا يستطيع ذلك، لأن المادة الصحفية تمر بمراحل لا يمكن تجاوزها، فمادة الصحفي تمر بأكثر من شخص من مدير التحرير وصولا إلى رئيس تحرير، وهؤلاء يعرفون (بحاسة الشم) الفرق بين المادة الصحفية والإعلان المدفوع.

أما نجم السوشال ميديا فإنه ينشر المحتوى الذي تفرضه تلك الجهة، وهو أقل حرية من الصحفي، فكما أسلفنا من الصعوبة فرض مادة على صحفي لأنه - وللسبب الذي ذكرناه - لا يمكن أن تدفع له مقابل النشر، وإن دفعت فإن المادة ستكون مادة إعلانية أمام القارئ، وقد ينشر الصحفي مادة فيها نقد فلا شيء يمنعه من ذلك، لهذا يكون نجم السوشال ميديا هو الخيار المناسب، فينشر ما تريد الهيئة أو المؤسسة نشره دون الإعلان المباشر أمام المتلقي، وكل ما عليه هو أن يدّعي أنه يعمل متطوعا لخدمة الوطن.

وبما أن الفرق أصبح واضحا بين الإعلام والإعلان، يبقى السؤال: إذا كان الأمر بهذه السهولة لماذا الخلط؟ وهذا السؤال ببساطة لأنه خلال السنوات الأربعين الماضية تم تشويه الصحافة بشكل ممنهج، وأصبحت كلمة صحافة في الذهن الجمعي لها حملات سلبية، ولعلكم تتذكرون (غصب1، الوثن، العبرية، خضراء الدمن..إلخ) فأُبعد المتلقي - دون وعي منه - عن الصحافة، وأصبح حتى الإعلاميون أنفسهم يشتمون الإعلام تزلفا للشارع، هذا التفريغ الذهني للساحة الإعلامية جعل المكان في الذاكرة الجمعية فارغا، ولهذا دخل المعلنون المكان بعقلية المُعلن.

ومن سبق أن عمل في الصحافة يعرف الصراع الأبدي بين العمل الصحفي والإعلان داخل المؤسسة الواحدة، وكيف أنه لا بد أن يكون هناك توازن بينهما كي لا يطغى أحدهما على الآخر، كما يقول المثل «لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم»، لكن في الأخير توارت الأخلاقيات التي تتمسك بالصحافة وتذود عنها أمام غول الإعلان الذي استفرد - عبر نجوم السوشال ميديا - بالمكان، فبعد أن كانت أخلاقيات العمل المهني الصحفي تفرمل جشعه وجد نفسه حرا منها، ومتغولا تحت خدعة العمل الإعلامي التطوعي!