محمد أحمد بابا

الجنسية بين الشريعة والقانون

السبت - 24 أغسطس 2019

Sat - 24 Aug 2019

الحق أن الانتماء للأماكن والبقع في الكون من تدبير الله تعالى الذي قال «واسعوا في مناكبها»، وقال «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها»، وهو الذي نسب البلاد للعباد بالإضافة والملكية وقال «وأخرجوكم من دياركم»، وقال «فتلك ديارهم»، إضافة إلى كثير مما يدل على معنى عظيم هو التبعية للمكان ابتداء أو ارتحالا، فالنبي صلى الله عليه وسلم موطنه مكة، ومهجره المدينة، ولا مشاحة في أن لكل منهما في تبعيته حق، فالحق انتماء البشر لمكان قطنوه وعرفوه وأفادوا منه وأفادوا فيه وسكنوه.

وكل العارفين بعلم الاجتماع ودورة الممالك والدول عبر التاريخ لا يتمارون في أن من عاشر القوم 40 يوما صار منهم ولو بالمعنى، ومن أوتي جوارا في قوم فهم أولياؤه، وهو لهم مولى، ومن ارتحل وقطن ورضي به وخُبر وعرف فالمسلمون بعضهم أولياء بعض.

لذلك فالحق بعد أن نظم العالم نفسه بترتيبات إدارية جعلت الانتماء (جنسية) أداء ذلك الأمر لمن هو حق له حال الطلب أو دونه، فهو الحق الذي بدونه يكون الناس طبقات بفعل الإنسان وتوجيهه، فالجنسية رغم سوء اسمها الذي يصنف الناس بناء على الجنس حق لمن سكن ولزم.

وفي حال الدول التي سبقتنا للحضارة في القرن الأخير ما يدعو للاستغراب أنهم في هذا الحق جادون ومحقون، والمسلمون في هذا الحق مترددون، وحين قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المسلمين بأنهم «يسعى بذمتهم أدناهم» وجب على الذوق الرفيع والفهم العميق أن يعي بأن امتداد الحق لمن كانت لها زوج في بلد، أو من كان له زوجة في مكان، أو الذي ولد، سواء من الرجال والنساء، بأن هذا خالص الحق له في التبعية لمن هو منه، وإلا فستضيع اعتبارات القرابة من الدرجة الأولى التي اعتنى بها الدين وجعلها أوثق الصلات، وكذلك فمن ولد في بلد أو مكان فقد استقر حقه فيه بسبب الولاة ولو لم يقطن، فالناس منذ نشأة الدنيا ينتسبون لمكان ولادتهم، فكيف لو ولد ونشأ فالحق له أعظم.

ومن مميزات الشريعة الإسلامية إحاطتها بكل زمان ومكان تنظيما وقيادة ليستمر الأمر بالسعي في الأرض حتى يوم الدين، فحين صار العالم رقعة واحدة بسبب سرعة التنقلات، لا يمنع الحق ازدواج جنسية ولو كثرت، فالإنسان في كل مكان يسكنه له حق، والإنسان لا يتعدد، لكن الحق يتعدد بتعدد المفهوم، وهذا المعنى بين المسلمين ودولهم هو المقصود.

والمستحق أن تكون الجنسية تابعية، وليس ثم نقص ولا استنقاص من أن يتبع فرد قومه ولا أسرته الكبيرة المتمثلة في دولته بالمفهوم الحالي، وحين يكون الأمر كذلك يستحق التابع ما للمتبوع من مميزات وإمكانات يعطيها اللبث، إذ ما تبع إلا لذاك، ويستحق الناس أن يكونوا في مجال التجنس على قدر متساو من الحقوق، عارفين بالمقصد الشرعي من ذلك، والغاية المنطقية المفهومة منه، فلا تخوين لمسلم وهو مسلم ما لم يظهر الضد، ولا غضاضة على من ترك وطنا واختار غيره، ولا مسبة على من ارتحل وقطن في البعد أو القرب، فتلك حرية كفلها الله للناس أمرا وطلبا.

ويستحق موضوع الجنسية هذا أن يكون في النفس من أصل الدين الرابط بين مسلم وأخيه، لا أن يكون في النفس نزعة عصبية تنحو منحى الجاهلية، وأعظم الاستحقاق أن يراجع المسلمون في دولهم قوانين وضعوها لموضوع التجنس، ويستحق الإنسان أن يكون على بينة بأن الفرز والتقسيم والتضييق في هذا الأمر مثير للحنق والحقد ممن غلب على ظنهم استحقاقهم لجنسية في بلد، ليكبر في صدورهم نكران الجميل، ومن يخشى مشاركة آخرين في رزقه وما يهبه الله للناس فهو الذي يبخل بما ليس له، وهو من الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.

@ albabamohamad