عبدالله العولقي

صفحة جديدة في تاريخ السودان

الثلاثاء - 20 أغسطس 2019

Tue - 20 Aug 2019

احتفل السودانيون بالاتفاق التاريخي، واحتفل العرب والأفارقة معهم، فالسودان جغرافيا استراتيجية مهمة في المنطقة، ونقطة التقاء أساسية بين ثقافات وديانات وأعراق متباينة، فخلال السبعين عاما الماضية عانى السودانيون كثيرا عندما عصفت بوطنهم الأزمات وأرهقتهم الحروب وفتكت بهم الفتن، لكنهم صمدوا طويلا، حتى استطاعوا بروح السودان الوثابة أن يسمعوا العالم كلمتهم المثلى، والتي كان لها الحضور الفاعل في الاتفاقية الأخيرة.

كثير من المحللين السياسيين يرون أن ثورة الإنقاذ في 1989 أعادت السودان كثيرا إلى الوراء، أرغمته على عداوات داخلية إثرها تم انفصال الجنوب وخسارة الثروة البترولية، وألهبت الاحتجاجات الشعبية في شرق السودان وغربه، بل وقطعت كل آمال التغيير، لم يقدم البشير لشعبه سوى رقصة العصا التي تستلهب الغوغاء من الجماهير، لقد كان النظام يراهن على المؤسسة العسكرية في بقائه على السلطة، لكن رفاقه العسكر آثروا الوطن على نظام البشير، وحسموا المعركة لصالح الشعب، وقبلوا بواقع التجديد، وتعانقوا مع قوى الحرية والتغيير، حتى تم ميلاد السودان الجديد عبر الوثيقة الدستورية.

لا شك أن استقرار دولة كبيرة في المنطقة كالسودان، لديها جغرافيا حيوية مهمة وتمتلك ثروة مائية وحيوانية واسعة، وتعج أرضها بالموارد الطبيعية؛ خطوة مهمة جدا نحو بناء دولة المستقبل التي ينشدها الشباب السوداني، الدولة القادرة على تحقيق ذاتها ومتطلباتها نحو أجيال المستقبل، ولا سيما أنها دولة مستهدفة من ثلاثي الأنظمة العبثية في المنطقة (طهران وأنقرة والدوحة)، فجاءت الاتفاقية التاريخية وبدعم استراتيجي ومادي من المملكة العربية السعودية والاتحاد الأفريقي كتحصين سياسي يردع تلك الأنظمة التسلطية من العبث بثروات وموارد السودان.

السودان لديه ميزة مهمة أيضا، وهي ثروة المتعلمين، فالمدن السودانية تعج بمؤهلات عالية تعكس كفاءة التعليم السوداني، ولكن الإشكالية تكمن في أن كثيرا منهم قد أرغمتهم الظروف الخانقة التي فرضها النظام السابق على الهجرة القسرية باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وبعضهم وصل إلى مناصب قيادية عليا في منظمات دولية - رئيس الحكومة القادمة عبدالله حمدوك واحد منهم، وهذه الحالة المأساوية يشترك فيها السودان مع بعض الدول العربية، وربما تكون الفرصة سانحة الآن مع اتفاق الخرطوم التاريخي إلى عودة تلك النخب المتميزة والكوادر المؤهلة إلى المشاركة مع الحكومة الجديدة والإسهام في بناء مستقبل السودان.

أخيرا، احتفلت المملكة مع السودان في إنهاء حالة التوتر السياسي في الخرطوم، وتزينت مبانيها الشاهقة بالعلم السوداني، وقد عبرت الرياض عن تطلعها الكبير وأملها في الشعب السوداني الأصيل بأن يعمل بجد على تحصين اتفاق الشراكة المبرم بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، بما يضمن لدولة السودان الشقيقة أن تصان من شرور التدخلات الخارجية التي عصفت بالمنطقة، ولا سيما التدخلات الخارجية التي تستهدف أمنه واستقراره، وبهذا الإنجاز الكبير استطاع السودانيون أن يحتفلوا بعرسهم التاريخي، وأن يفتحوا صفحة جديدة في تاريخهم الحديث.

@albakry1814