علي الحجي

مثلث العلم والأخلاق والفكر

الثلاثاء - 13 أغسطس 2019

Tue - 13 Aug 2019

تعلم لتتوظف، تعلم لتترقى، تعلم لتحصل على المال، والقيمة الاجتماعية.

صحيح أن التعليم من أسباب الترقي في الجوانب المادية للحياة، لكن ماذا عن السمو الروحي، والرقي الأخلاقي، والوعي، والإدراك؟

إن المتأمل لحال الفرد الصالح المنتج المفيد لمجتمعه، يجد أن التعليم والمعرفة ليسا إلا ضلعا واحدا من المثلث المثالي لتكوينه، إضافة إلى المكون الأخلاقي والقيمي من جهة، والقدرات الذهنية التي تقوم على معالجة المعرفة والأخلاق في الوسط الاجتماعي ونقدها وتجويدها وإعادة إنتاجها من جهة أخرى، وأي نمو منفرد لأحد أضلاع هذا المثلث لا ينتج إلا صورة من صور البلادة أو الآلية أو الفذلكة.

فالأخلاق والمثالية بلا علم ولا فكر تنتج التابعين، والعلم بلا أخلاق ولا فكر ينتج روبوتات، والقدرات الذهنية بلا إطار قيمي وأخلاقي وبلا علم تنتج المتفذلكين والمعارضين والناقمين على كل شيء بلا سبب ولا فهم.

وما نراه وهو محور حديثنا في هذا المقال، هو النمو المتسارع للمعرفة المجردة، والسعي الحثيث لاكتساب الشهادات كصك إثبات على تحصيلها بسبب الطلب العالي عليها، فكان نموها غير متسق مع الجانب الأخلاقي والقيمي، مع ضعف واضح في القدرات الذهنية بجوانبها المتعددة.

ما الفائدة من الشهادات، وأكوام الكتب، وسني الدراسة والتحصيل، والمساحات الممتلئة من الذاكرة بالكلمات والنظريات والأفكار، إن كان السلوك ما زال سلوك ثور جامح، والأخلاق أخلاق صعلوك، والنفس تستجدي الحضور، والعقل ضيف شرف على قارعة الوعي.

إن العلم يتحول لآفة إن تم تسليعه وتحويله لورقة نقدية لشراء المناصب، واكتساب الرزق، بلا روح ولا أثر، بل إنه قد يصبح أداة لشرعنة التخلف مقابل قليل من التصفيق والصفير ولو على شكل (لايك) أو (رتويت).

لذلك يجب على المسؤولين عن النشء من آباء في الأسرة ومعلمين في المدرسة ومربين في المؤسسات التربوية والمنصات الإعلامية، أن يتجاوزوا رسالة «العلم مفتاح الوظيفة»، إلى «اصقل عقلك بالعلم»، و»حارب ظلام الجهل بنور العلم»، و»اكتسب فضيلة الوعي لتتعايش وتتحضر وتكتمل إنسانيتك».

كما يجب على المؤسسات المعنية بالتعليم، وعلى رأسها وزارة التعليم، أن تضخ في المناهج جرعات مكثفة من مهارات التفكير التي تصنع العقل المفكر المبتكر الناقد القادر على اكتشاف الثغرات وإيجاد الحلول، والعقل الموضوعي المتجرد الذي يلجأ للأسلوب العلمي لحل مشكلاته، بدلا من التركيز على ضخ المعلومات المعلبة التي لا تزيده إلا انحدارا في غياهب الجهل وسعير التعصب. وتحويل التفكير والتفكر والتأمل إلى نمط حياة يقود لإدراك أوسع وفهم أشمل ووعي أعمق لكل متغيرات الحياة من حولنا.

@aziz33