فيصل الشمري

الحركات الجماهيرية والفرد

الاثنين - 12 أغسطس 2019

Mon - 12 Aug 2019

إن العامل المشترك في الحركات الجماهيرية هي عملية التظلم الجماعي التي تستخدم أدوات الانقسام والتجمهر على أسس عرقية أو طائفية أو اقتصادية، وهي ليست مجرد تهديد متعدد الجوانب للمجتمعات وغير متبلور لارتقاء الفرد فحسب، بل للإسلام والمجتمع الإسلامي أيضا. مثل هذه الحركات تؤدي فقط إلى اتجاه دائم للتفتت، والخضوع، وغالبا ما يتم توجيهها من قبل قوى خارجية شريرة في أهدافها.

إن حركات التحرر التقدمي والماركسي والحركات الاشتراكية أو حتى تلك التي تتبناها المنظمات الإرهابية والمتطرفة استثمارها دائما في التكتيكات التي تؤدي إلى نتائج التفتت الاجتماعي والتفرقة التي تؤدي إلى الخضوع.

في جميع الحالات تقريبا ينشأ التهديد من قوى فكرية جماهيرية عدوانية في تنفيذ أهدافها الراديكالية، مثل إعادة تأهيل المجتمع بما يتوافق مع أهداف أصحاب تلك الحركة. والأشخاص الذين يقدمون هذه الحركات ويستضيفونها وينفذونها يمكنهم فقط أن يحظوا بفرصة مثالية للنجاح إذا استهدفوا معارضة ضعيفة ومنقسمة. حاضنة هذه الأيديولوجية الخطيرة ملفوفة في لواء حركة جماهيرية للتظلم، عادة ما تكون انتهازية لأن لها أهدافها الاستراتيجية، إذا صح التعبير، وستنكر المبادئ الفردية للإسلام التي أكدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية)

تطبيق هذه القيم من عبادات ومعاملات وأخلاق تكون مسؤولية الأفراد، ومن هنا يقوم الإسلام على (الفردية Individualism) أي المسؤولية الفردية في الدنيا وفي والآخرة، وهذا ما تتجاهله ثقافة القطيع، لذلك فإن الحركات الجماهيرية ذات الطبيعة الكونية التي تدعم قضية «الجماهير المتظلمة» تتطاير مباشرة في وجه الإسلام ومبدأ الخضوع أمام الله حيث يتمتع الفرد بالوصول المباشر إلى صانع الكون والعالمين.

ينبغي لنا فهم أن الحركات ذات الطابع التظلمي مثل الماركسية، والاشتراكية، وغيرهما من الأيديولوجيات الراديكالية لليسار أو اليمين، أو ذات الطبيعة الإرهابية، تحكم بالقسوة لمحاولتها استبدال خاصية الفرد في الإسلام.

في بداية الأمر أمثال هذه الحركات الجماهيرية تقوم على ثمار التجزؤ البغيضة، حتى تصل إلى إخضاع الدول في نهاية المطاف، سواء كانت الدول قومية كما حدث في سوريا وحزب البعث أو دينية كإيران، وفي النهاية يصبح الفرد مستعبدا لهذه الحركات.

على سبيل المثال الاشتراكية من خلال تبنيها لقضية «الجماهير» لإيمانها بالملكية الجماعية لوسائل الإنتاج والإدارة التعاونية للاقتصاد لدى الدولة، وهي المسؤولة عن إعادة توزيعه، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى السيطرة على حياة الفرد اليومية ومبدأ الفردية.

في هذا السيناريو عند تنفيذ الاشتراكية تصبح الدولة القومية في نهاية المطاف العامل المهيمن على الحياة اليومية للأفراد، بسبب طبيعتها الشاملة للدولة القومية الاشتراكية، أو كالدولة الدينية مثل الدولة الخمينية في إيران التي ألغت الفردية الدينية وأصبحت الشمولية الدينية هي القاعدة.

لذلك لا يمكن أن يكون هناك أي توافق مع صعود الفرد ليكون له الأسبقية على طبيعة الدولة القومية. ويجب مواجهة حركات كهذه بقوة، وبشكل مباشر على شكل أفكار وخطابات، دون أي تردد كلما وحيثما ظهرت، وإذا لزم الأمر لاكتساب السيادة.

في النهاية، إن لم تواجه هذه الحركات فإن المشكلة ستزداد، والنتيجة النهائية هي الخضوع والاستعباد للفرد بعد فوات الأوان. كان لدى الرئيس جون كينيدي مقولة مفضلة اعتاد على مشاركتها مع دائرته الداخلية «إن أهم الأماكن في الجحيم هي لأولئك الذين يحتفظون في وقت الأزمات الأخلاقية بحيادهم».