فهد عبدالله

الترويض الذهني

الخميس - 08 أغسطس 2019

Thu - 08 Aug 2019

قد تتراءى للإنسان صورة ذهنية معينة ترابطت أطيافها لديه مع مرور الزمن حتى تكونت لديه قناعة يمكن وصفها بصعبة التزحزح، وحتى لو تماثلت له انثيالات الأفكار المخالفة قد لا يسعى جاهدا لتغيير تلك القناعة لتراكم تشكلات تلك الفكرة ومواقفها مع الزمن، بالإضافة لتأثير ضغط ثقافة المجتمعية وأعراف البيئة المحيطة مما يجعلها تقترب لحالة الجمود وتميل النفس فيه إلى الموالفة وعدم التثريب.

الحقيقة أن هذه الصورة النمطية والمعتادة في مقاومة تغيير الأفكار هي حقيقة شبه نافذة عبر الزمن تقادمت كثيرا في الماضي واستمرت تنهال أمام الأعين وستخبرنا التنبؤات صحتها في المستقبل.

ولكن عندما يُطلق العنان للنظر في عشرات الأمور فيما سبق من تلك المعارف التي بمنزلة الثوابت التي لا يمكن أن يطرأ عليها تغيير في التصورات السابقة وبعد فترة من الزمن تطول أو تقصر وتطرأ عليها رياح المراجعة والتفكيك، تجد أن هذه الثوابت أصبحت أمور متغيرة أو بدأت تميل لإن تكون في عداد الخانات القابلة للتغيير.

عندها سيجد الإنسان أنه يقف على حقيقة ذات لون أحمر سيادي أن التغيير سنة ثابتة في الكون وإدراك هذه الحقيقة يجعل من الفكر ومساحات النظر مفتوحة على مصراعيها ومتنهّمة لمعرفة أفضل التطبيقات والأفكار والمشاعر التي قد وصل إليها فرد من البشر.

وهذه التجارب المتعددة التي تكاثرت، خاصة في عصر تعدد مصادر المعلومة وتكرار النظر والتأمل سيجعل من التأثير يأخذ مجراه لا محالة في تغيير معالم تلك المنحوتات التي رسّبت هوى الإصرار على نمطية سابقة قابلة للتطور أو التعنت في الآراء المبنية على أفكار ذات طابع متغير أو تقبل الصحة في أشكال متعددة.

عندها المتأمل المدرك سيحاول بعناية رصد هذه العقلية الجديدة التي تريد أن تتشكل، وأهم ملامحها أنها تريد أن تنظر بحياد في جميع المعارف والثوابت التي تكونت أو سوف تتكون بعيون المنطق وأساليب النظر المتعددة والهدوء النفسي الذي يرافقها من أجل معرفة الأصح من بين الأمور الصحيحة ومعرفة الأكثر خطأ من بين الأمور الخاطئة ونمو وتائر ترويض النفس دوما على عدم الممانعة لكل ما هو جديد فضلا عن مدى التفهم والإدراك والتمييز عن ما كان في سابق الأمر.

ذروة النضج والوعي وجودة التفاعل الإنساني مع تفاصيل الحياة أراها في تلك النفس التي تنخفض فيها أسوار ممانعة التغيير إلى الأفضل سواء في القناعات والتصرفات والمشاعر.

هذه الحالة الجديدة تجعل من صاحبها يقرأ أغلب المعطيات أيا كان مسرحها ببصيرة العقل وتؤدة الرأي والخلوص قدر الاستطاعة إلى مآلات الحكمة في الأمور، لا يخشى النقاش بل يلج إليه بهدوء المستزيد الذي يبحث عن ارتفاعات لم يكن يعرفها أو وصل إليها.

مائدته الشهية وصفة مجرب أو نفحات خبير ولا يقيم حسابا شديدا أبدا في أن يتلقى الحكمة من أي مكان وزمان أتت أو من أي مصدر كانت. نهم المعرفة لديه والسعي إلى الاتزان طغيا على تكلسات وتراكمات المعارف التقليدية التي قد تمتلئ بكثير من الصحة وكثير من التكرار والخطأ.

بغية الصواب وتفهم دوافع الآراء المختلفة ومعرفة ما وراءها من طرائق النظر جعلته لا يتأفف من الآراء الغريبة ويحسن الظن في مقاصد أصحابها.

ما ترسب عبر الزمن منذ القدم من تلك الموروثات الفكرية والأخلاقية الخاطئة لا يمكن أن تتم إزالتها في لحظة تغيير إيجابية جازمة، وكذلك ما يتكون في النفس خلال الزمن من قناعات ومبادئ وأخلاقيات صحيحة لا يمكن أن يتم نسفها في لحظة تغيير ذات طالع سلبي، لذلك كان إدراك هذه الطبيعة التغييرية طريقا ملهما لحسن التخلص من الموروث السلبي القديم وتألق تلك المبادئ والقناعات الجديدة.

وهذا يجعل المنطق وتعلم المنهجيات وتحكيم وتجويد عمليات النظر للأمور أيا كان قالبها لها أولوية مطلقة في التعلم في العصر المعلوماتي الجديد الذي جعل من مصادر المعلومات المتعددة أقرب إليك من كل قريب.