دخيل سليمان المحمدي

عيدنا وعيد المتنبي

الثلاثاء - 06 أغسطس 2019

Tue - 06 Aug 2019

بعد مشيئة الله ما هي إلا أيام قلائل وتعم فرحة عيد الأضحى المبارك جميع أرجاء الأمة الإسلامية، فالكل له طقوسه وطريقته في التعبير عن فرحة هذا اليوم السعيد، فالأهالي في مناطق وطني الغالي لهم عادات وتقاليد من السلوك والقيم والملامح التي يعيشونها ويفخرون بها، ولا يقبل التنكر من أفرادها لهذه العادات والقيم التي صاغت حياتهم أبا عن جد وورثها الأحفاد عن الأجداد.

ودائما ما تظهر تلك العادات في أفعال وأقوال يقومون بها في المناسبات المختلفة التي تتقدمها مناسبة العيد السعيد، فبعاداتها وتقاليدها السمات والملامح التي كانت وما زالت تشغل حيزا كبيرا من ذاكرتنا بذكرياتها الجميلة، فالحديث والخوض في عالم هذه الذكريات ذوا سعة، حيث حياة أهل القرى والمدن في الماضي وما تعيشه من عادات تعتبر نافذة تاريخية تشاهد من خلالها حقبة من تاريخ بلادنا العظيمة.

ففي قرية الجفر - مثلا - التي تبعد عن المدينة المنورة النبوية نحو 40 كيلا غربا، كان للعيد فرحة تتسم بسمات وملامح جياشة كغيرها من مناطق بلادي الأخرى، حيث كان يبدأ استعداد الأهالي الفعلي فرحا وبهجة، فالمسافر يحرص على العودة ليشارك أهله فرحة العيد. ويقوم الجميع بتجهيز الملابس وتنظيف الأماكن. وفي صباح العيد يبدأ الجميع بتناول حبات التمر، ثم يجتمع الرجال لأداء صلاة العيد التي تقام في مصلى العيد على أرض فضاء بصحبة أبنائهم، ويعودون بعدها إلى البيت لتناول طعام الإفطار معا. ومن تقاليد التهنئة بالعيد التي كانت في قريتنا زيارة الأهل والأقارب، والجلوس معهم بالترتيب بحسب درجة القرابة، فالأب والأم أولا، ثم الأعمام ثم أبناء العمومة، ففيها تتسم احتفالات وفرحة العيد بطابعا هادئا ورصينا.

لقد كان العيد قديما ممتلئا بروح الإخاء والفرح المعتق بكل ألوان الحب الصادق التي تبثها النفوس صغارا وكبارا، وتتكثف فيه الروابط الاجتماعية المتسمة بالابتسامة، ورغم ضيق ذات اليد وبساطة الأشياء، إلا أنها لم تحجب صفاء النفوس، عكس ما هو مشاهد الآن، حيث أصبح العيد عبئا اقتصاديا في المبالغة بالشكليات فقط. والطامة الكبرى التي أفقدتنا فرحة العيد هي وسائل التواصل الاجتماعي، والاكتفاء بالتهنئة والمعايدة عن طريق رسائل الواتس اب بدل حرارة اللقاء. وهناك من يمضي جل وقته في متابعة الأحداث عن طريق الحسابات والقنوات لكي يحضر يوم العيد محاضرا ومتحدثا عن الصراعات وحوادث القتل في شتى أنحاء العالم، ناسيا مناسبة فرحة العيد، ليشعر السامعين بالحزن ويثبط فرحتهم بالعيد، هل جئت مهنئا أم جئت معكرا؟!

يجب ألا نجعل عيدنا كعيد المتنبي عندما قال:

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم بأمر فيك تجديد

همسة أخيرة، للعيد فرحة ولكنها ذكريات، دعونا نعش هذه الذكريات بكل تفاصيلها. وكل عام وأنتم بخير.