سالم الكتبي

أزمة مضيق «هرمز».. إلى أين؟

السبت - 03 أغسطس 2019

Sat - 03 Aug 2019

تبلورت في فضاء الأزمة المحتدمة حول أمن عبور ناقلات النفط في مياه مضيق «هرمز» مؤشرات ودلائل كاشفة حول مواقف الأطراف المعنية بالأزمة، أولها وأبرزها ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من أن بلاده «لم تعد بحاجة إلى مضيق هرمز، ولن تظل حارسا لسفن الدول الغنية وضمان سلامة الملاحة البحرية له»، وأضاف ترمب أن الولايات المتحدة أصبحت مصدرة للنفط، وأنه يعارض الاستمرار في تخصيص موارد مالية من حكومته لحراسة مضيق «هرمز»، وقال إن الدول الغنية يتعين عليها حماية سفنها «لأننا قمنا بحراسته (مضيق هرمز) من قبل ولم نحصل على مقابل مادي».

يقول الرئيس الأمريكي إن الولايات المتحدة تحصل على 10 % فقط من النفط عبر المضيق، بينما تمر عبر المضيق نحو 40 % من إمدادات النفط العالمية، وبالتالي هو يدرك تماما أهمية المضيق لدول وقوى كبرى مستهلكة للنفط الخليجي في مقدمتها الصين واليابان، ورسالته هنا لا تعني أن الولايات المتحدة تنفض يدها من أمن المضيق، ولكنها تتعلق بالمخصصات المالية الموجهة إلى حماية أمن الملاحة في المضيق، وهذا هو جوهر سياسة الرئيس ترمب منذ وصوله إلى البيت الأبيض.

الخلاصة في تحليل الموقف الأمريكي أن الرئيس ترمب لن يتحمل مخاطر طالما أن الأمر لا يتعلق بالمصالح الأمريكية بشكل مباشر، بمعنى أنه لن يخوض حربا من أجل أمن الطاقة فقط! وهذا الموقف شأن أمريكي بحت ولكن انعكاساته تطال حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي، فنظام الملالي الإيراني يلتقط إشارات ترمب ورسائله ويعمل على توظيفها واستغلالها جيدا، ولا يمكن فهم تمادي هذا النظام في سلوكياته الطائشة بمعزل عن فهمه وتفسيره لتصريحات ومواقف الرئيس الأمريكي.

قناعتي أن الرئيس ترمب يؤمن تماما بفاعلية العقوبات الاقتصادية وجدواها في تحقيق هدف تركيع النظام الإيراني من دون إطلاق رصاصة واحدة، وأعتقد أنها بالفعل تؤتي أُكلها، وتحقق نتائج تنعكس في العصبية المتصاعدة للملالي في التعامل مع الأزمة، ولكن الإشكالية تبقى في أن الملالي يتركون الرئيس الإيراني يمضي حتى نهاية الطريق في هذه السياسة، فهم يتحدثون عن «حرب اقتصادية» يجب إيقافها فورا، وهذا اعتراف واضح بتأثيرها، وسيذهبون إلى أبعد مدى في ممارسة سياسة حافة الهاوية من أجل الضغط على جميع أطراف اللعبة في الخليج العربي من أجل الضغط على الولايات المتحدة لوقف العقوبات.

سياسة الإدارة الأمريكية تبدو فاعلة وتحقق نتائج جيدة، ولكن الإشكالية في أن هذه السياسة تعاني ثغرة خطيرة، تتعلق بقدرة الردع العسكري، أو بالمزاوجة بين العقوبات والتلويح بالعصا في مواجهة أي سلوك إيراني طائش، فالتهديدات التي كان يطلقها الصقور في الإدارة الأمريكية مثل جون بولتون ومايك بومبيو لم تعد ذات أثر في ظل إدراك الملالي لحرص الرئيس ترمب على خيار العقوبات والعودة إلى طاولة المفاوضات من دون مواجهة عسكرية، حيث فقدت التهديدات أي أثر نفسي محتمل قد يسهم في إجبار النظام الإيراني على التراجع والتنازل، بعد أن بدا واضحا أن الرئيس ترمب أسقط خيار الحرب من حساباته مهما بدا التحدي كبيرا، ما لم يكن متعلقا بخسائر أمريكية في الأرواح، أو تعريض المصالح الأمريكية المباشرة للخطر!

البعض يقول إن الرئيس ترمب يراهن بقوة على عامل الوقت في هزيمة الملالي بالنقاط، ولكن ما لا يدركه البيت الأبيض أن نظام الملالي يراهن في المقابل على إفشال أثر العقوبات، ويرى أن الحرب أقل تكلفة من الاستسلام للعقوبات الأمريكية، وبالتالي فإن محاولات الملالي لاستدراج الجميع لحرب في منطقة الخليج لن تتوقف، ولن ينتظر النظام الإيراني حتى الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الأمريكي لعلمهم أن احتمالات فوز الرئيس ترمب بولاية رئاسية ثانية عالية، وأن بقاءه في البيت الأبيض وقتها سيجعله مطلق اليدين في التعامل مع الملالي، ووقتها قد يكون خيار الحرب والضربة العسكرية أكثر ترجيحا.

حتى الآن، الواضح أن الأزمة تتفاقم في صمت، وأي خطأ في الإدراك المتبادل وسوء التقديرات والحسابات قد يؤول إلى إشعال صراع عسكري في المنطقة، ولكن هناك أيضا احتمال بأن تستمر مرحلة جس النبض واختبار الإرادات المتبادل حتى بلوغ مرحلة التفاوض.

البعض يرى، وأتفق إلى حد كبير مع هذا الرأي، أن الوضع الراهن يؤشر إلى مأزق أمريكي استراتيجي في ظل عدم وجود الخطة (B) للإدارة الأمريكية في حال لم ترتدع إيران بالعقوبات الاقتصادية، بينما يرى أتباع الملالي أن المحور الإيراني المدعوم ضمنا من روسيا والميليشيات الطائفية في دول عدة، يكتسب ثقة متزايدة بالنفس، بسبب الصمت الأمريكي والتردد الأوروبي، وبين هذا وذاك يمكن القول إن السماح للملالي بإثبات القدرة على الردع المتوازن، حيث ستكون طاولة التفاوض المزمعة وقتذاك ساحة لترجمة هذه القدرة العسكرية إلى نفوذ يؤثر سلبا في مرتكزات أمن واستقرار الخليج العربي، وبالتالي ستبقى عوامل التوتر وعدم الاستقرار قائمة ما لم يتم لجم قدرة النظام الإيراني على التوسع وانتهاك مبادئ حسن الجوار وسيادة الدول.

ما يهمنا في منطقة الخليج العربي ألا تترك الأمور تمضي لمصلحة جميع الأطراف عدا دول مجلس التعاون التي تعاني بشكل حقيقي جراء السلوكيات الإيرانية المتهورة في المنطقة، وألا تتحول الأزمة إلى صفقة جديدة يتم فيها تبادل المصالح وتأمينها بمعزل عن مناقشة الأسباب الحقيقية لعدم الاستقرار الإقليمي، لذا فإنني لا أرى مخرجا سوى إشراك دول المنطقة في أي نقاش دولي حول تسوية الأزمة الراهنة مع النظام الإيراني.

@salemalketbiar