أرجوكم.. إنه لِمَن استطاع
السبت - 03 أغسطس 2019
Sat - 03 Aug 2019
بعد انقضاء ثلاث سنوات كانت بمثابة استراحة محارب لشخص آمن بأن الكتابة ليست ترفا، ولا سفسطة، كما أنها ليست مساحة تملأ، وإنما هي رسالة مقدسة، تقع على كاهل صاحبها مسؤولية كبيرة، يدرك معناها وأبعادها كل من تجذرت روحه في أبعاد المعرفة؛ لهذا وغيره، فقد وجدتها فرصة لأن أتحلل من مسؤوليتي، فقضيت وقتي أتأمل في كنه الأشياء، وأستعيد قوتي بقراءة ما ألِفته من معرفة، واكتشاف ما يمكن أن تألفه نفسي وذائقتي في كل ما هو جديد، ومع كل ذلك أخذت أراقب وأتابع مشهدنا، محاولا سبر أغواره بما أستطيع، وفهم واقع التحولات فيه.
على أني لم أكن بعيدا عن تصور جل ما يحدث، وكم كتبت محذرا من نتائج الغلو والتشدد الذي كان سائدا، إذ لكل فعل مغال رد فعل مساو له في القوة ومعاكس له في الاتجاه، أليس هذا ما يقوله قانون نيوتن؟!
ومع ذلك لم يأبه أولئك المتشددون لقول ناصح غيور، بل قد وجدنا منهم فحش الاتهام والتبديع والتفسيق البغيض، ثم بقرار حكيم انتهى كل ذلك، ولكن بعد أن تشتت الجيل، وتضاءلت ثقته في جوانب كثيرة من الأحكام الفقهية، والفتوى العلمائية، بل وصار ميالا إلى الإصغاء لما يقوله كل من يدلو بدلوه دون تمحيص أو تثبت، وهو ما ستكون له عواقبه الوخيمة مستقبلا، إذ وحتى مع إيماني بمقولة: استفت قلبك وإن أفتوك، إلا أن ذلك يتطلب صفات في النفس لا أظن أنها باتت متوفرة اليوم في الغالب الأعم.
ما يدعوني إلى قول ذلك والتحذير منه، راجع إلى ما سمعته من أحد المفتئتين على إحدى القنوات الفضائية وهو يتحدث حول واجبات الحج وأركانه، ميسرا بشكل فج كل شعائر الحج المعروفة، انطلاقا من رؤية فقهية، فمثلا يدعو إلى أن سعي الحج ليس واجبا، مستندا إلى قوله تعالى «فلا جناح عليه» في آية «إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما، ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم»، وبالتالي فالأمر له لا يتعدى جانب التطوع، ولا يكتفي بذلك، بل إنه يجوز لبس المخيط أثناء الطواف، مفسرا ذلك بتفسير خاص به، ومنطلقا من أن لبس الإحرام ليس ركنا، وإنما هو واجب يستعاض عنه بدم، إلى غير ذلك من الآراء التي لم أستسغها، ولا يستسيغها كل صاحب قلب سليم، وعقل واع.
لم أتمالك نفسي وأنا أستمع إليه فصحت قائلا: إنه الحج، وهو لمن استطاع إليه سبيلا، أرجوكم لا تفقدوه قيمته الروحية، «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب».
كم أخشى على شعائرنا الروحية من افتئات المتفيهقين، من بعد سيطرة المتشددين عليها زمنا طويلا، فكان أن ألزمونا شعائر عديدة بعقل متشدد، وأذكر من ذلك أنهم كانوا يمنعون الناس الرمي قبل الزوال، فيتدافع الحجاج محتشدين، حتى إذا سمح لهم بالرمي تدفقوا سيلا جرارا، فيموت كل من لا يقوى جسده على الصمود، والسبب رؤية دينية أحادية قاصرة.
واليوم لا نريد أن ننتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن التنطع للتحلل، وما أجمل أن نعيش حالتنا الروحية بوعي ديني، ونضج فقهي، مع احتفاظنا بشعائرنا كما وصلت إلينا بالتلقي، والتواتر الجمعي.
الحج رحلة إلى الله بالقلب قبل الجسد، تودد له بالبصيرة قبل البصر، الحج رحلة تسمو فيها النفس فوق كل غريزة، فمن كانت روحه جاهزة للقاء الله أدى فريضة الحج، وإلا فلا حرج عليه، فهو لمن استطاع إليه سبيلا.
@zash113
على أني لم أكن بعيدا عن تصور جل ما يحدث، وكم كتبت محذرا من نتائج الغلو والتشدد الذي كان سائدا، إذ لكل فعل مغال رد فعل مساو له في القوة ومعاكس له في الاتجاه، أليس هذا ما يقوله قانون نيوتن؟!
ومع ذلك لم يأبه أولئك المتشددون لقول ناصح غيور، بل قد وجدنا منهم فحش الاتهام والتبديع والتفسيق البغيض، ثم بقرار حكيم انتهى كل ذلك، ولكن بعد أن تشتت الجيل، وتضاءلت ثقته في جوانب كثيرة من الأحكام الفقهية، والفتوى العلمائية، بل وصار ميالا إلى الإصغاء لما يقوله كل من يدلو بدلوه دون تمحيص أو تثبت، وهو ما ستكون له عواقبه الوخيمة مستقبلا، إذ وحتى مع إيماني بمقولة: استفت قلبك وإن أفتوك، إلا أن ذلك يتطلب صفات في النفس لا أظن أنها باتت متوفرة اليوم في الغالب الأعم.
ما يدعوني إلى قول ذلك والتحذير منه، راجع إلى ما سمعته من أحد المفتئتين على إحدى القنوات الفضائية وهو يتحدث حول واجبات الحج وأركانه، ميسرا بشكل فج كل شعائر الحج المعروفة، انطلاقا من رؤية فقهية، فمثلا يدعو إلى أن سعي الحج ليس واجبا، مستندا إلى قوله تعالى «فلا جناح عليه» في آية «إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما، ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم»، وبالتالي فالأمر له لا يتعدى جانب التطوع، ولا يكتفي بذلك، بل إنه يجوز لبس المخيط أثناء الطواف، مفسرا ذلك بتفسير خاص به، ومنطلقا من أن لبس الإحرام ليس ركنا، وإنما هو واجب يستعاض عنه بدم، إلى غير ذلك من الآراء التي لم أستسغها، ولا يستسيغها كل صاحب قلب سليم، وعقل واع.
لم أتمالك نفسي وأنا أستمع إليه فصحت قائلا: إنه الحج، وهو لمن استطاع إليه سبيلا، أرجوكم لا تفقدوه قيمته الروحية، «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب».
كم أخشى على شعائرنا الروحية من افتئات المتفيهقين، من بعد سيطرة المتشددين عليها زمنا طويلا، فكان أن ألزمونا شعائر عديدة بعقل متشدد، وأذكر من ذلك أنهم كانوا يمنعون الناس الرمي قبل الزوال، فيتدافع الحجاج محتشدين، حتى إذا سمح لهم بالرمي تدفقوا سيلا جرارا، فيموت كل من لا يقوى جسده على الصمود، والسبب رؤية دينية أحادية قاصرة.
واليوم لا نريد أن ننتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن التنطع للتحلل، وما أجمل أن نعيش حالتنا الروحية بوعي ديني، ونضج فقهي، مع احتفاظنا بشعائرنا كما وصلت إلينا بالتلقي، والتواتر الجمعي.
الحج رحلة إلى الله بالقلب قبل الجسد، تودد له بالبصيرة قبل البصر، الحج رحلة تسمو فيها النفس فوق كل غريزة، فمن كانت روحه جاهزة للقاء الله أدى فريضة الحج، وإلا فلا حرج عليه، فهو لمن استطاع إليه سبيلا.
@zash113