ياسر عمر سندي

«الشغف المعرفي» الظاهري والضمني

الأربعاء - 24 يوليو 2019

Wed - 24 Jul 2019

من نعم العليم الخبير على العالمين والناس أجمعين أن نورنا بنور العلم وسهل علينا مسالك الفهم، ومن أهم نزعات التعلم وزيادة الوعي هو الشعور الانفعالي الذي يولد الشغف المعرفي لإشباع غريزة التوقد الفطري الخارجي من المجتمع بمعرفة الكيفية من تتبع المعلم الخبير ومن يمتلك المهارة، والداخلي من الذات بالمبادرة كقراءة الكتب وسماع ومشاهدة المحاضرات.

فمنذ أن علم الله تعالى آدم الأسماء كلها كانت تلك أول انطلاقة للبشر لتهيئتهم نفسيا بالانفتاح والتقبل، وتجهيزهم فسيولوجيا باستفزاز وحث العقل لتلقي العلوم بشتى صنوفها وألوانها ومختلف مجالاتها، والتي ترجع أساسا لعلم الأسماء والمفردات، وتواترت إلى أن وصلت إلى علم المعرفة الظاهري والباطني، والحكمة من ذلك أن يسخر الله الناس بعضهم إلى بعض ليتدافعوا على كوكبهم ويتعارفوا اجتماعيا شعوبا وقبائل بالتعاون والمشاركة والتمازج لتتشكل لديهم بعد ذلك الخبرات التراكمية والتجارب العملية ليجتمعوا على إعمار الأرض بأفكارهم وإبداعاتهم التي تشكل أطر وملامح المعرفة البشرية والتي تعتبر خليطا من العلوم مضافا إليه خليط من الخبرات لتنتج في المحصلة النهائية المصالح البشرية المشتركة المعرفية والاقتصادية والثقافية والعسكرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وإذا تأملنا في قصة كليم الله موسى عليه السلام مع العبد الصالح نجد أنها جمعت بين المعرفة الظاهرية التي يعلمها العامة من البشر وهي المسجلة والمتداولة كالأنظمة والقوانين واللوائح، وأيضا المعرفة الضمنية التي يعلمها الخاصة من البشر كالذكاء والمهارة والحكمة والرشد؛ وفي هذه القصة شرح لكيفية توظيف النزعة البشرية نحو الشغف المعرفي بالمرافقة والمسايرة لتحقيق فوائد عظيمة مجنية ممن يمتلكون التميز والمهنية، لتحقيق التكامل المعرفي، وهذا ما حصل بين موسى والخضر عليهما السلام.

فعندما سأل بنو إسرائيل من أعلم من في الأرض، قال لهم موسى أنا بحكم نبوته ومعرفته بالرسالة الربانية، فعاتبه ربه عتاب المحب لعبده بأن يتوجه لمن هو أعلم من موسى وأعرف. فكليم الله يملك المعرفة الظاهرية من خلال تلقي المواعظ والعبادات المكتوبة على الألواح والتوراة التي نقلها إلى قومه لتوحيد الله وتنظيم الحياه. ولكن موسى كان في حاجة للمعرفة الضمنية الخفية وما وراء ذلك من معرفة يطلق عليها (المعرفة اللدنية) أي الخاصة من لدن الله والتي تعلمها الخضر، قال تعالى (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) الكهف الآية 65، والتي تلقاها موسى نظريا وتطبيقيا وهي معرفة الكيفية العميقة التي استنبطها من اتباعه ومرافقته للعبد الصالح، والتي تتضح من خلال قوله تعالى (قال له موسىٰ هل أتبعك علىٰ أن تعلمن مما علمت رشدا) الكهف الآية 66، والرشد يعتبر قمة الهرم المعرفي والذي يبدأ بالبيانات ثم المعلومات ومن ثم المعرفة وصولا للرشد والحكمة. وما وراء الطبيعة البشرية التي لا يعرفها موسى يتضح من رد العبد الصالح بأن ما لديه هو تمام الخبرة والمعرفة الباطنية التي لا يعرفها كليم الله في قوله تعالى (وكيف تصبر علىٰ ما لم تحط به خبرا) الكهف الآية 68.

وفي رأيي أن الشغف المعرفي تحقق من شخصية موسى وتميزه بالشغف وشخصية الخضر بامتلاكه المعرفة والتي التقت في ثلاثة مواضع رئيسة بسورة الكهف:

• الخير الباطني يرقى على الشر الظاهري، من خلال خرق سفينة المساكين ومصلحتهم المخبأة.

• التعويض الرباني مقابل الفقد الإنساني، من خلال قتل الغلام لإسعاد والديه وراحتهما.

• الحزن البشري المستمر جزاؤه الفرح الإلهي المستتر، من خلال حياة اليتيمين وكنزهما الخفي المنتظر.

وهنالك أدبيات

يجب أن يتحلى بها الشخص الشغوف للمعرفة وإن زاد ولعه وطال انتظاره وهي كالآتي:

• التواضع ونسبة الفضل العلمي للواحد العليم.

• الالتزام اللفظي والفعلي مع من يمتلك المعرفة.

• الوفاء بالوعد والعهد.

• عدم المقاطعة حتى ينتهي من بيده المعرفة.

• ضبط النفس الانفعالي.

• البعد عن الجدال وهدر الوقت.

• توقع الخير في كل الظروف.

• الصبر ثم الصبر ثم الصبر.

رسالة لمن زاد درجة في علمه أن يتأكد بأنه زاد درجة من جهله «وفوق كل ذي علم عليم».

@Yos123Omar