حسن علي العمري

عودا على بدء

الاثنين - 22 يوليو 2019

Mon - 22 Jul 2019

ليس بجديد أن نجد في أي مجتمع عبر حقب التاريخ صراعات من أي نوع بين مكوناته المتعددة، إلا أن أسوأها تلك التي ترتكن على خلفيات دينية تتستر خلفها وتسعى للوصول لغايات خفية من خلالها، ولنا في قراءة التاريخ الفكري لتنظيم ما يسمى بالإخوان المسلمين خير مثال، فهم ومن على شاكلتهم وإن استطال بقاؤهم لعقود رغم ما يحملونه في دواخلهم وبنية أفكارهم من بذور الهشاشة والفناء عبر تاريخهم، لم يكونوا معنيين البتة بقيادة المجتمعات نحو الخير والفضيلة كما يدعون ويتظاهرون، بل إن اهتمامهم كان بكيفية سوق المجتمع أمامهم كالقطيع وبسط سيطرتهم عليه للتحكم في كل مفاصله وأدق تفاصيله لتحقيق أكبر كسب ممكن ماديا كان أو معنويا.

عيونهم ساهرة لا تنام للانقضاض على السلطة العليا في البلد الذي هم فيه بعد إحكام سيطرتهم فكريا على الجموع البسيطة من الدهماء، عبر ما نسجوه من سياجات محكمة ودهاليز معقدة وممارسات متنوعة يحافظون بها على مكاسبهم من جهة وعلى بقاء المجتمع متراجعا ومترديا عبر إيهام أفراده بأمور ووقائع خيالية لا علاقة لها بمنطق العقل والنقل أو تظهرهم بأسوأ الأوصاف والنعوت من خلال تأجيج عواطفهم الدينية أو حاجاتهم وهمومهم ومشاكلهم الاجتماعية، فظنوا أنهم بذلك مستحكمون على عناصر البقاء والنمو والاستمرارية.

وما فتئت تلك التنظيمات ورموزها ينظرون لمجتمعاتهم وأفرادها نظرات الدون، فيرونهم يفتقدون للوعي السليم وعلمهم ومعرفتهم سقيمان متدنيان، فضلا عن عدم تقديرهم للأمور في حالها ومآلها، وأنهم مبتلون بهذه الشعوب الغثاء - كما قال أحدهم، وأن فيها من الهشاشة والفوضوية ما الله به عليم، فواجبهم التصدي لذلك ظاهرا بفرض الوصاية عليهم، وباطنا بتعميق جهلهم ومحاربة الأفكار التنويرية فيهم، وأن على تلك الشعوب البائسة أن تستكين وتخضع لهم وتصغي لهم، مقلدة لسكناتهم وأقوالهم وأفعالهم، تهيئة لتنفيذ مخططاتهم بعد ذلك.

وهم بذات الاتجاه ساعون للمحافظة بكل تلون وخداع على علاقتهم بالسلطة الحاكمة والتعايش معها، مع محاولة توريطها في الأزمات حتى تستنزف قدراتها وتستهلك قواها لتمهيد الطريق لهم لما يسمونه بالتمكين، ليخرجوا بعدها للناس عند كل ذائعة بأنهم سيتقدمون الصفوف لخلق الحلول للنوازل مهما بلغت تعقيداتها، بعد أن يعجز الساسة عن ذلك - كما قال أحدهم ذات ربيع.

وتحرص تلك التنظيمات على التواجد والظهور في كل مشهد لبث أفكارها، سعيا لتشكيل الوعي المجتمعي وسوقه باتجاهات معينة، فهم ينثالون على كل وسيلة يمكن أن تخدم مشروعهم، وتحقق غاياتهم لتسويق أفكارهم الفاسدة لمزيد من التضليل للشعوب وتخدير عقولهم وتزييف وعيهم، بإشاعة مناخات متنوعة من الإحباطات والاحتقانات في نفوس أفرادها، متطفلين عليهم بذات الأفكار والتوجهات المعلبة التي كانوا يبثونها منذ عقود خلت في ميادينهم المعروفة.

بعد تلك المراحل أو الغزوات والرحلات التياراتية التي جابت كثيرا من الدول والمجتمعات مستعمرة للعقول ومحتلة للأفكار فكانت بحق مرحلة بؤس عطلت التطور الفكري وضربته في مقتل، اليوم نرى هذه الغمم المكارثية تنجلي هنا، ومجتمعنا ينتفض لعقله طاردا تلك الفئام المتأخرة والغارقة في الجهل وهي تعيش اليوم بعقلية ما قبل عشرات القرون السالفة، ليتم دك حصونها بقرار سياسي شجاع وبوعي شعبوي متنام مستوعب للمرحلة، فتهاوت تلك القلاع العنكبوتية الواهية وظهر عوارها وهشاشة أسّها الذي كان يعامل الشعوب على أنها مجرد أدوات لإشباع رغبات وتطلعات وأحلام جلاوزة هذه التيارات للقبض على كراسي السلطة، فتحللت أحلامهم تباعا وذابت أفكارهم لتسقط رؤاهم في هوامش التاريخ، ولا سيما بعد أن فشل بشكل مريع لا سابق له من وصل للحكم منهم، ولم يستطع إثبات نفسه في تلك الفرصة الثمينة التي سرقوها من اختيارات الناخبين رغما عن رغباتهم.

ولعل سبب هذا الفشل الصارخ عائد لهيمنة التكلس والجمود الفكري عليهم بتكرر تلك الوجوه البالية في كل مشاهدهم في الحكم، وممارستهم لذات الأساليب القديمة التي كانوا عليها في إدارة التنظيم الذي لا يتسق بحال مع فكرة الدولة المدنية الحديثة بكل أبعادها، فأعطى ذلك دلالة على تواضع مستواهم وبلادة طرائق تفكيرهم وأساليب عملهم، وهو ما حرمهم تقديم شيء ذي بال للمجتمع الذي طالما غنوا له بامتلاكهم مفاتح الرفاة والرقي لو حكموه، ليقول المجتمع الحر كلمته في النهاية بإسقاطهم وإعادتهم من حيث أتوا.

ختاما حفظ الله كويتنا الشقيق وأهله مما يحاك لهم هناك من بقايا هذا التنظيم.

[email protected]