شاكر أبوطالب

عن الصحافة وليس الورق!

الاحد - 21 يوليو 2019

Sun - 21 Jul 2019

منذ تأسيس المملكة العربية السعودية، ومرورا بالمراحل الثلاث التي تطورت ضمنها الصحافة السعودية، من صيغة الملكية الفردية إلى الشكل المؤسسي، بدءا بصحافة الأفراد، ثم دمج الصحف، وصولا إلى المؤسسات الصحفية، أظهرت حكومة المملكة عناية بالصحافة، نظرا لأهمية دورها في توعية الفرد، والمساهمة بتنمية المجتمع، وشراكتها في ازدهار الوطن.

إن اهتمام حكومة المملكة بالصحافة على مدى تسعة عقود تقريبا؛ دافعه صناعة إعلام وطني متميز مهنيا، وتطوير البيئة الصحفية، وغايته تقديم منتجات وخدمات إعلامية منافسة وجاذبة تشبع الحاجات الاتصالية والإعلامية للفرد، وتقابل توقعات المجتمع، وتعزز ريادة السعودية ومكانتها المتقدمة في العالم.

وفي الظروف الحرجة التي تمر بها الصحف الورقية في المملكة، وتحديدا الانخفاض الحاد الذي تشهده أرقام التوزيع وإيرادات الإعلانات، يبرز عديد من الأسئلة المشروعة والمطلوب الإجابة عنها، لفهم المستقبل الذي ينتظر المؤسسات الصحفية، ومن بين هذه الأسئلة ما هو متعلق بمسؤولية وزارة الإعلام - منذ إنشائها - ودورها في مسيرة الصحافة السعودية، وجهودها المبذولة في تطوير الصحف شكلا ومضمونا، وتجويد الممارسة الصحفية، وتنظيم المهنة للصحفيين، وتحسين بيئة العمل الصحفي.

وعند قراءة المشهد الصحفي في السعودية، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار العوامل المتعلقة بالبيئة المهنية لصناعة الإعلام في المملكة، وطبيعة ملكية المؤسسات الصحفية، والأسلوب الاقتصادي الذي تنتهجه.

وفي صناعة الصحافة على مستوى العالم، تبرز أربعة اتجاهات أساسية في اقتصاديات الصحف، فهناك صحف تعمل ضمن منظومة شركات فردية أو عائلية، وبعض الصحف يديرها مالكو القطاع الخاص، وصحف تعتمد على مستثمري الأسهم الخاصة أو المتداولة في سوق الأسهم، وأخرى تعتمد بالكامل على الحكومات بشكل مباشر أو غير مباشر.

والحالة التي بلغتها المؤسسات الصحفية السعودية هي محصلة لعدد من العوامل، أبرزها الاقتصار على منتج صحفي واحد، والاعتماد شبه الكامل على الإيرادات الإعلانية، والاشتراكات الحكومية فيما مضى، وغياب الرؤية الاستثمارية للأرباح السنوية في الفترات الماضية والاكتفاء بتوزيعها فقط، وضعف الاستثمار في البحث والتطوير ودراسات السوق والتقنيات الإعلامية الحديثة.

ولا يمكن إغفال الأسلوب الذي اتبعته وزارة الإعلام مع المؤسسات الصحفية، وتركيبة مجالس إداراتها، والاشتراطات القانونية المعقدة التي دفعت باتجاه استمرار الأسماء ذاتها لفترات طويلة، وتكرار بعض الأسماء في أكثر من مجلس إدارة للمؤسسات الصحفية، إضافة إلى العقلية الاستثمارية في المؤسسات الصحفية، والنظر إلى الصحف باعتبارها قناة استثمارية ليست بحاجة إلى تطوير، خاصة مع تواصل تدفق الأرباح في فترات ماضية، وتحديدا في المؤسسات الصحفية ذات الربحية العالية سابقا.

وبمراجعة استراتيجية مجالس إدارات المؤسسات الصحفية السعودية، فإن الصحف الأحدث عمرا تكون استجابتها أسرع للتطورات والمستجدات التقنية في البيئة الصحفية، بينما تواجه الصحف العتيقة صعوبة في الاستجابة للفرص الجديدة الناشئة عن التطورات المهنية في صناعة الصحافة، خاصة أن الإمكانات الجديدة عادة ما تكون غير جاذبة من الناحية المالية، لمحدودية هوامش الربح أولا، ثم لعدم وضوح الرؤية بالنسبة لملامح تطور السوق الصحفية.

ومعظم الصحف في المملكة أظهرت ترددا واضحا في تخصيص موارد كافية للاستثمار في التطورات الجديدة داخل البيئة الصحفية، وبعض الصحف قررت دمج التطورات الجديدة دون التخلي عن الأساليب القديمة، خشية خسارة المكتسبات السابقة وفقدان حصة من السوق أو شريحة من القراء. ومهما تكن الظروف والمسببات، يجب المحافظة على الصحافة مهنة وصناعة، لأنها وببساطة أم الإعلام بكل أنواعه ووسائله وتقنياته.

shakerabutaleb@