سالم الكتبي

هل يتلاعب ملالي إيران بالجميع؟

السبت - 20 يوليو 2019

Sat - 20 Jul 2019

بالأمس قال المتحدث باسم البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة، علي رضا مير يوسف إن برنامج طهران للصواريخ الباليستية غير مطروح للتفاوض، وذلك بعد أن قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن استعداد الإيرانيين لمناقشة برنامجهم للصواريخ، بينما تحدث الرئيس ترمب عن إحراز تقدم في مسعى للحد من التوتر مع إيران.

وكان بومبيو، قد ذكر في اجتماع بالبيت الأبيض، بحسب تقارير إعلامية أن إيران أشارت إلى أنها على استعداد لتتفاوض بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية. وتأكيدا لهذا الاستنتاج، إن صح التعبير، فإن الرئيس ترمب قال من جانبه «سنرى ما سيحدث، ولكن تطورا كبيرا حدث»، مما يعني أن هناك معلومات وصلت البيت الأبيض بهذا الشأن، وأن الوسطاء كفرنسا وغيرها قد نقلوا محتوى كهذا للجانب الأمريكي، وإلا فإن الأمر يتعلق بسوء فهم أو تلاعب لفظي ومناورة إيرانية مقصودة لاستكشاف نوايا الغربيين، وهو أمر مرجح تفسره مسارعة مير موسوي إلى نفي تعليقات بومبيو، حيث قال في تغريدة على تويتر «صواريخ إيران.. ليست مطروحة للتفاوض تحت أي ظرف من الظروف، مع أي فرد أو أي دولة».

نظام الملالي يرتهن العودة للتفاوض برفع فوري للعقوبات الأمريكية، وقبلها كان النظام قد فرض عرضا قيل إنه يتعلق بتجميد العقوبات خلال فترة المفاوضات المقترحة، وقد تحدث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارته لنيويورك عن أنه «فور رفع إدارة ترمب العقوبات التي أعادت فرضها على بلاده، سيصبح باب التفاوض مفتوحا». وعندما سئل عما إذا كان يشمل مناقشة برنامج إيران الصاروخي، قال ظريف إنه إذا أرادت الولايات المتحدة مناقشة البرنامج الصاروخي «يتوجب عليها وقف بيع كل هذه الأسلحة لمنطقتنا».

الواضح أن النظام الإيراني يجد الفرصة متاحة أمامه للتمدد وإملاء الشروط، فالرئيس ترمب قال مؤخرا إن واشنطن ترغب في مساعدة طهران، وأضاف «سنعمل معهم ونساعدهم بأي صورة ممكنة، ولكن لا يمكنهم الحصول على سلاح نووي. ونحن لا نسعى لتغيير النظام. ولا يمكنهم أيضا اختبار صواريخ باليستية».

والأمر بات واضحا، النظام الإيراني لا يضع «فيتو» كما قلنا من قبل على فكرة التفاوض في المطلق، بل يسعى لتحسين شروط هذا التفاوض، وتعزيز موقفه بشكل استباقي، وما الحديث السابق عن رفض أي تغييرات للاتفاق النووي سوى مناورة تكتيكية يفهمها كل متابع جيد للخطاب السياسي الإيراني!

والحقيقة أيضا أن الملالي قد نجحوا في إثارة رعب أوروبا وخوفها منذ الإعلان عن استئناف تخصيب اليورانيوم، وهددوا بمزيد من الخروقات للاتفاق النووي «إذا لم تبذل أوروبا جهودا إضافية للحد من تأثير العقوبات الأمريكية»، مما دعا وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لإصدار إعلان دعوا فيه إيران إلى «العودة إلى الامتثال التام» بشروط الاتفاق النووي، قائلين إن الخروقات الأخيرة لم تكن خطيرة و»يمكن الرجوع فيها»، وهو كلام رددته أيضا الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية فدريكا مورجيني، وقالت إن أي من الدول الموقعة على الاتفاق لا تعتبر الخروقات خطيرة، ولهذا لن تبدأ الإجراءات التي قد تؤدي إلى فرض عقوبات إضافية، فيما أكدت بريطانيا وفرنسا وألمانيا دعمها للاتفاق.

الجانب الأوروبي يبحث عن مخرج لكل من الولايات المتحدة وإيران للعودة للاتفاق، ويبدي قناعة بأن الاتفاق النووي «لا يزال يمثل الطرق الأفضل للحفاظ على الشرق الأوسط خاليا من السلاح النووي» كما قال جيرمي هانت، وهذه القناعة تتجاهل تماما خطر البرنامج الصاروخي الإيراني، وبقية الممارسات والسلوكيات الإيرانية في المنطقة، فالفوضى الحالية في الشرق الأوسط ليست بسبب برنامج إيران النووي، ولكنها بسبب مخطط التوسع الطائفي الإيراني الذي انتعش عقب التوقيع على الاتفاق النووي بين مجموعة «5+1» وإيران، مما يعني أن هناك حزمة من القضايا لا يمكن تفكيكها والتعامل معها فرادى!

الحقيقة المؤكدة حتى الآن أن الغرب ككتلة أطلسية مشتركة لا يمتلك استراتيجية مشتركة للتعامل مع إيران، بل لا يمتلك استراتيجية بالمرة، ورغم أن السفير البريطاني المستقيل السير كيم داروك قد قال في أحد تقاريره المسربة إن السياسة الأمريكية تجاه إيران «غير متسقة»، وأشار إلى أن هناك انقساما داخل الإدارة حول التعامل مع إيران، فإن أوروبا تعاني الشيء نفسه، فالأوروبيون ليس لديهم خطة واضحة، سواء لإعادة إيران للاتفاق النووي، أو لبدء جولة جديدة من المحادثات تشمل مجمل الملفات والقضايا مثار الجدل مع ملالي إيران.

صحيح أن هناك اتفاقا تاما بين أوروبا والولايات المتحدة على منع امتلاك إيران للسلاح النووي، ولكن ليس هناك أي توافق حول كيفية تحقيق ذلك، وهنا تكمن الخطورة، حيث يستغل الملالي هذا التباين في وجهات النظر ويمضي في تحقيق أهدافه الاستراتيجية ويستغل المجتمع الدولي بأكمله!

وفي ظل هذه المعطيات فإن الحقيقة التي يجب أن يسلم بها الجميع أن خطر التسلح النووي هو خطر يطال الأمن والاستقرار العالمي، ولا يقتصر على دولة أو منطقة دون أخرى، ومن ثم فإن الابتزاز الإيراني ليس شأنا أمريكيا أو أوروبيا خاصا، بل هو تهديد عالمي ينضوي تحت مسؤولية جميع القوى الدولية، بما فيها الصين وروسيا، ولا يجب أن يكون هذا الملف ورقة مساومة أو يتم توظيفه في إطار صراعات ومنافسات استراتيجية أخرى، وإلا فإن البديل سيكون انفراط عقد الأمن والاستقرار العالمي، وتحول مصادر التهديد إلى أوراق للمساومة والصفقات بين القوى الكبرى، بما ينسف جميع مبادئ التوافق الدولي التي ارتكزت عليها الأمم المتحدة وهيئاتها جميعا.