عبدالحليم البراك

العلم والأخلاق.. علاقة مسخية

الاثنين - 15 يوليو 2019

Mon - 15 Jul 2019

في العصر الحديث، لا ينفع إطلاقا أن يقال عن فلان إنه خلوق ومؤدب لكنه لا يحمل مؤهلا، بينما مقبول للغاية أن يكون بذيئا، سيئا، وصوليا، وغير أخلاقي، لكنه بالمؤهل يصبح عنصرا مهما بالمجتمع، لأن العلم صار يقوم وحده، يقوم بلا أخلاق، يقوم بلا أدب!

هذا مثال سطحي وبسيط لقضية فلسفية عميقة، مثال آخر أكثر عمقا لكن الأمر لا يزال سطحيا، أثار هشتاق السعودية نقلا عن التقني «ياسر الرحيلي» أن هناك تطبيقا لطيفا يأخذ صورة لوجهك ثم يعيدها ليتخيلها بعد 30 عاما، والذي أشير له أن التطبيق يربط بين هاتفك وصورتك، واضعا قاعدة معلومات عريضة لا تنتهي - بحسب الهشتاق - للصورة مع رقم الهاتف، ولو جاز لي الاستمرار بالخيال سأقول إن الشركة مرتبطة بطريقة أخرى بشركة أخرى، تربط معلومات أخرى بك، حتى تكون معلومات كاملة، مستخدمة الذكاء الاصطناعي الخطير، حتى تكاد تكون معلومات كاملة لكل من لديه هاتف ذكي، والمبرر الوحيد للشركة أنك وافقت على شروط التطبيق التي تسمح بأخذ صورة لك واستعمال رقم هاتفك بالصورة وتخزينها، بل والاطلاع وتحميل الصورة الأخرى وموقعك.

والسؤال: هل توقيع الاتفاقية يحمي الشركة، ويبرر لها ما تفعله قانونيا، وأخلاقيا قيميا؟

وحتى نبعد، ونربط، ونحلل، هل تذكرون النعجة دولي المستنسخة، من يضمن عدم وجود معامل في دولة متخلفة تستنسخ الإنسان وتعبث به بعيدا عن عيون الرقابة الديموقراطية أو الدول ذات الأبعاد الدينية الأخلاقية؟

معلومات الهواتف الذكية في يد من الآن؟ الذكاء الاصطناعي لأي مدى يمكن تسخيره لخدمة الآخرين بلا ضوابط؟ نشر محتوى كاميرات المراقبة المرتبطة بالانترنت بلا أي قواعد أو قوانين أخلاقية بيد من؟

نعيد السؤال الفلسفي مرة أخرى، عندما تخلفت الفلسفة الأخلاقية عن العلم، ماذا خسر العالم بذلك؟ إليكم بعض ما حدث وما نتج ببطء شديد: يتطور العلم بشكل متسارع أكثر بكثير من أخلاقيات الأعمال، وأكثر من أخلاقيات الاختراعات، وأكثر من أخلاقيات التقنية، ودول العالم، خاصة الدول المتقدمة تخضع بشكل كبير جدا لأصحاب الأعمال على حساب الأفراد، ناهيك عن أشياء أخرى لا تقال!

في الدول بشكل عام، حرمان المواطن من هذه التطبيقات لا يبدو حلا، كما أن هذه البرمجيات تقوم بجمع المعلومات بإذن أو بغير إذن المستخدم البسيط، وهو انتهاك غير مبرر لخصوصيته، والحل لا يكمن في ميثاق أخلاقي فقط توقع عليه دول الأمم المتحدة، بل يجب أن يتحول لعقيدة إنسانية، وتشريع قانوني، ومبدأ عام يحمي الإنسان من عدوان الإنسان.

إن التطبيقات، وشركات الأعمال، والحكومات الديموقراطية (على غير مواطنيها) والدول غير الديموقراطية تعيش في فوضى أخلاقية تجاه ضعف الأخلاق والقانون والقيم الإنسانية، مقارنة بالتنظيم المتقن للعلم الفوضوي الخلاق، والإنسان المستبد فرح مستبصر بهذه الفجوة لمزيد من الاستغلال المادي والسيطرة، وحتى يفيق الإنسان من هذا الخذلان، سيرى أنه خسر الكثير من إنسانيته بعد أن يكون خسر الكثير ماديا ومعنويا.

ملاحظة أخيرة، هل تذكرون كارثة تشيرنوبيل التي كادت أن تدمر العالم، التدمير اللا أخلاقي للعلم أشد وطأة لو كانوا يعلمون. وأخيرا حاولت بكل جهد أن أجعل من هذا مقالا ساخرا، ولكن يبدو أن مقدار ما نخسره من إنسانيتنا لا يسمح بمزيد من السخرية!

Halemalbaarrak@