المثقف الأقلّوي وأزمة الهوية
بروز مفهوم الهوية في الخطاب الفكري لمثقفي الأقليات بات سمة بارزة في المشهد الفكري العربي
بروز مفهوم الهوية في الخطاب الفكري لمثقفي الأقليات بات سمة بارزة في المشهد الفكري العربي
الأربعاء - 07 يناير 2015
Wed - 07 Jan 2015
بروز مفهوم الهوية في الخطاب الفكري لمثقفي الأقليات بات سمة بارزة في المشهد الفكري العربي.
فصحيح أن الصراع على الهوية أحد معالم الثقافة العربية بشكل عام، كما قال المفكر الفرنسي جيرار ليكلرك بأن جل حراك المثقفين في دول العالم الثالث يدور حول مفهوم الهوية.
لكن يبدو ملاحظا أن مفهوم الهوية أكثر حضورا في خطاب مثقفي الأقليات، حتى أصبح عقبة بحد ذاته.
مفهوم الهوية بالنسبة لكثيرين هو مفهوم محسوم سلفا فجميعنا نعلم بأن العالم الغربي مصدر الحضارة المعاصرة والذي يتبنى الخطاب الإنسانوي، هو في جوهره مجتمع محافظ على قوميته وديانته وتراثه الفكري والثقافي والتاريخي.
بل حتى نتاج رجال الدين الفكري وإن كان قد تم تجاوزه إلا أنه يحظى بالتداول والدراسة مثلما يحصل مع نتاج توما الأكويني وغيره.
والقوانين معظمها مستمدة من القانون الروماني كما بين عزمي بشارة في إحدى محاضراته عن العلمانية.
بالتالي نستطيع أن نقول إن القطيعة التي حدثت هناك ليست مع التراث بل بما يتعلق بالنظرية السياسية فقط.
لدينا في المشرق العربي كما هو معروف أن من تصدر الحياة الفكرية في القرن التاسع عشر هم من مسيحيي المشرق العربي، والذين حاولوا إسقاط العلمانية على المجتمع العربي دون إعادة إنتاج.
وقد عالج ذلك محمد عابد الجابري في عدد من مؤلفاته، وتطرقت لذلك في مقالتي (لماذا أنا لست علمانيا؟!) هذا النزوع الشديد نحو العلمانية فسره برهان غليون في كتابه الطائفية ومشكلة الأقليات عندما قال إن الأقليات تتبنى العلمانية لمواجهة الأكثرية.
فمن ذلك الحين والمثقف الأقلوي يحاول أن يميز نفسه عن سائر أفراد المجتمع خشية الذوبان، وذلك بتبنيه خطاب استئصالي.
صحيح أن في التراث الديني ما يجعل الأقليات مواطنين من الدرجة الثانية، لكن ذلك اصطدم بالواقع والتاريخ العربي مليء بالشواهد التي تدل على التمتع بالمواطنة الكاملة وتسنم الوظائف العليا بالرغم من ظروف تلك العصور.
حتى على مستوى الهوية العرقية حافظ المسلمون العرب على هويتهم، ويعرف عن بني أمية أن قوميتهم وصلت لحد الشوفينية وصبغوا الدين بالصبغة العربية وتطرق عبدالعزيز الدوري لذلك في كتابه جذور القومية العربية.
أزمة الهوية أو عقدة الهوية لم تنحصر فقط في مسيحيي المشرق العربي بل تسربت حتى للأقليات المذهبية داخل المجتمع الإسلامي، فيقول إسحاق نقاش في كتابه شيعة العراق أن جل كادر الحزب الشيوعي العراقي هم من أبناء الشيعة وذلك لتخلصهم من التبعية لرجل الدين.
حتى من السنة من ادعى العلمانية زعما منه أن ذلك يؤدي للتخلص من هيمنة الفقهاء على الحياة العامة! هذه الممارسات قبل أن تعكس أزمة الهوية تعكس الأزمة النفسية لدى المثقف الذي يفكر بطريقة «سد الذرائع» التي طالما يشنع على الفقهاء استخدامها!المثقف الأقلوي بات عالة على المشهد الفكري طالما هو يتعامل بثنائية حدية ويقسم المجتمع إلى معسكرين وفق منطق محاصصاتي؛ فيطالب باستبعاد الهوية الدينية واستبدالها بهوية أخرى إما قومية أو علمانية، بينما يتحصن بهويته المذهبية وإذا ما طلبت منه ممارسة دور تنويري إزاء متطرفي مذهبه يدّعي بأنه ليس مختصا في أمور الدين وهو الذي يشنع على داعش والوهابية صباح مساء، ويتعبد بنظرية سياسية ثيوقراطية.