ياسر عمر سندي

الاقتصاد المعرفي علم أزلي وتخطيط نبوي

الأربعاء - 10 يوليو 2019

Wed - 10 Jul 2019

المعرفة وإدارتها ليست بالاختراع الجديد، ولا هي بالمفهوم العصري الوليد ولا هي بالعلم المعقد الشديد، فمنذ بزوغ فجر علم إدارة المعرفة كعلم قائم بحد ذاته على يد بيتر دراكر ودونالد مارشان في القرن العشرين وذلك استجابة للاحتياجات المختلفة، والمتطلبات الاقتصادية المتنوعة، والمنتجات الفكرية المتسارعة؛ تطور مفهوم علم إدارة المعرفة الذي يتكون من مصطلحين، هما: الإدارة التي تعني ببساطة «حسن التصرف المقنن في الوقت والوضع المناسب المتقن»، والمعرفة التي هي «الخبرات المتراكمة والمهارات المتلازمة التي يتميز بها ويمتلكها شخص أو مجموعة من الأشخاص»، أما إدارة المعرفة فأعرفها بأنها التخطيط السليم والمدروس من خلال ثلاث ركائز أساسية كالآتي:

• الدعم القيادي والمالي لتحفيز تدفق السيل المعرفي البشري ورعايته من خلال الرسم الاستراتيجي.

• توفير الناقل للمعرفة مثل التقنيات الحديثة كالحاسب الآلي والتطبيقات المعلوماتية الحديثة.

• الفيض المعرفي من العنصر البشري في توليد المعرفة من خلال العمليات العقلية البشرية، المتمثلة في الموظفين أو الاستشاريين أو المدربين أو الطلاب الدارسين وغيرهم ممن يمتلكون المعرفة، ومن ثم تجميعها باستخدام الوسائل التقنية منها وغيرها لاستحواذ ونقل المعرفة ومن ثم نشرها.

ومن منطلق المفهوم السابق يتضح لنا أن المعرفة واسعة ومتنوعة ومختلفة باختلاف الفروق الفردية والإبداعات الإنسانية لكل فرد، وأن المعرفة ما هي إلا نتاج عصف ذهني بشري تسبب في تطوير جميع مجالات الحياة ومقوماتها، ومن أهمها المجال الصناعي والاقتصادي. فالاقتصاد في مفهومه البسيط يأتي من كلمة اقتصد أي اعتدل في الإنفاق، فلم يسرف ولم يقتر، وفي مفهومه الواسع على مستوى الدول يعد الاقتصاد خططا ونشاطات اجتماعية حكومية مدروسة وواعية تعمل على توجيه الإنفاق على السلع المتنوعة الغذائية وغيرها، لتوفيرها وتدويرها على المواطنين للاستفادة منها والاكتفاء من خلالها.

فالاقتصاد المعرفي في رأيي هو «نشاط مستشرف ومخطط له يهدف إلى التنمية العامة، سواء من خلال الناتج المحلي داخل الدولة أو الاستثمارات الدولية بمشاركة دول مختلفة تؤمن بتوليد وتدوير الأفكار والخبرات والمهارات والتجارب الإنسانية المؤدية إلى براءات اختراع تنفع البشرية».

ومن وجهة نظري أرى أن الاقتصاد المعرفي أو الاقتصاد القائم على المعرفة ما هو إلا استراتيجية أزلية تمت ممارستها وطرح فكرتها وتم ذكرها في كتابنا العظيم القرآن الكريم، وتحديدا في أحسن القصص وفي سورة يوسف عليه السلام، عندما نجد التخطيط الاستراتيجي السليم لإنقاذ البلاد والعباد من مهلكة اقتصادية قادمة آنذاك، بمعرفة عقلية وخبرة مهارية وخطة استباقية قام برسمها وتطبيقها نبي كريم، حيث قال العزيز الحكيم «وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون» سورة يوسف الآية 43.

فهذه الرؤيا المفسرة من النبي يوسف عليه السلام للملك، ما هي إلا دعم معرفي إلهامي ومهارة غير مسبوقة مكنه منها ربه عز وجل، وميزه بها عن غيره، لرسم خطة محكمة وتنفيذها على أرض الواقع، تضمنت ثلاث دعائم يقوم عليها أي اقتصاد معرفي عالمي، ولأي دولة من الدول المتقدمة حاليا، وهي كالآتي:

• وضع الخطة الاستراتيجية المستقبلية، والتوقع العلمي من تنبؤات استشرافية للوضع الحالي، قال تعالى «قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون47 ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون 48 ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون49». سورة يوسف

• الدعم والتمكين من الجهات العليا لإعطاء مساحة وحرية تقديم المعرفة الخلاقة وتوليدها، وفتح باب الاستشارات أمام العقول المعرفية الفذة، قال تعالى «وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين» يوسف الآية 54.

• ترشيح من يلزم لتطبيق الخطة المعرفية ومتابعتها ومراقبة سير الخطة في مرحلة من مراحلها «قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم» يوسف الآية 55.

فمفهوم الاقتصاد المعرفي كدراسة وممارسة ما هو إلا علم إسلامي وإرث أزلي وتخطيط واستشراف نبوي.