عبدالله الأعرج

«ديكور ما عايزين»!

الاحد - 07 يوليو 2019

Sun - 07 Jul 2019

قبل عدة سنين أخذت سيارتي إلى الكهربائي لعطل ألم بها، فألفيته سودانيا حاذقا ماهرا صريحا حد الصراحة، وحينما بدأ العمل بدأت أقترح عليه أن يركب الغطاء الخاص بفانوس السيارة بطريقة معينة، فما كان من ابن النيلين إلا أن صرخ بوجهي «ديكور ما عايزين» نسوي الشغل الصح وبس!

تذكرت صاحبي السوداني وأخذت أقيس مبدأه على بعض بيئات العمل التي تبهر الناظر إليها بجمال بنائها وروعة ديكورها واتساع مداخلها وأناقة مكاتبها، لكنها وبسبب سوء الإدارة تفتقد إلى أمور مهمة، تذهب بهذا الجمال وتجعل المراجع أو المستفيد لا يذكر من كل هذا سوى الإحباط الذي أصابه جراء هذا الخلل!

وفي زيارة شخصية لثلاث جهات كانت آية في الجمال من حيث البناء والأثاث والمكاتب، لفت نظري في الجهة الأولى عدم وجود مواقف مخصصة للمراجعين، وهو أمر غاية في الأهمية، حيث لا يمكن أن تكون المواقف مخصصة للموظفين فقط، ولا سيما إذا استمر المراجع في الصعود والهبوط لأكثر من نصف ساعة بين الأدوار المتكررة لمواقف السيارات بحثا عن مكان شاغر لعربته، وحين يجد موقفا يكون في الغالب محجوزا لموظف بالمنشأة أو به سياج يمنع استخدامه، لتستمر رحلة البحث أو الانتظار حتى يفرجها ربنا كما يقال!

في الجهة الثانية كان المبنى أيضا غاية في الروعة، والبهو الرئيس واسع جد، وكانت الممرات طويلة جدا بحيث يستغرق الشخص السليم جسديا أكثر من 3 دقائق لقطع الممر الواحد من أوله إلى آخره، وهو وقت قد يتضاعف مرتين أو ثلاثا في حال كان المستفيد من كبار السن أو ذوي الإعاقات الحركية أو البدينين، وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة!

المشهد الأخير في الجهة الثالثة كان لمبنى لا يقل عن صاحبيه أعلاه في روعة البناء وجمال التشييد وحسن التأثيث، ولكن المشكلة كانت في عدم الاهتمام بعلامات الخروج والدخول ولوحات الإرشاد، الأمر الذي جعلني شخصيا أسأل أكثر من شخص عن الطريق إلى وجهتي، وجعلني أيضا أجيب البعض في طريق عودتي على التساؤل نفسه!

على الرغم من حضور المشهد الجمالي في كل هذه الجهات الثلاث كإبهار البناء وجودة التكييف وأناقة الدهان وروعة الديكور، إلا أن حلقة مفصلية تسمى (الجانب الخدماتي العملي) كانت غائبة جزئيا، وهو الأمر الذي أشغل بالي كمراجع عن الاستمتاع بهذا الجمال، وأخذ من وقتي كثيرا، بل وعكر مزاجي وأنا أحاول الوصول لهدفي بأسرع وقت ممكن!

«ديكور ما عايزين» التي قالها صاحبي السوداني صحيحة إلى حد كبير، لكني أستأذنه للقول إننا «عايزين» خدمات داخل بعض الجهات توازي جمال الديكورات، وهي بالمناسبة مطالبة ستعزز رضى المستفيد، وترفع من أسهم المنظمة.

قيادات العمل في أي مكان يجب أن تدرك أن تعطل جهاز الحاسب أو نفاد حبر الطابعة أو عدم وجود الموظف على مكتبه أو غياب لوحة إرشادية في مواقف السيارات أو انقطاع الماء عن مصلى العمل أو عدم وجود دورة مياه لذوي الاحتياجات الخاصة أو بعد المواقف عن المبنى أو تعطل المصاعد أو ما شابه ذلك، كفيلة بأن تنسف كل جمال الديكور وأناقة المكاتب في ذهن المستفيد، وقد تخلق انطباعا سلبيا عن إدارة المنظمة.

إدارة المنظمات يجدر بها أيضا أن تدرك أن المتابعة جزء أصيل من العمل إن لم تكن هي العمل بأكمله، حيث إنه لا قيمة لعمل يخطط له ثم لا يتابع، ولا معنى لعمل يتابع لبرهة ثم يترك لفترات طويلة دون سؤال أو استفسار أو زيارة ميدانية من المدير، متقمصا دور المراجع ومستشعرا كفاءة الخدمات قبل جمال الممرات!

dralaaraj@