فيصل الشمري

الحرية والاستبداد وبقايا الحرب الباردة

السبت - 06 يوليو 2019

Sat - 06 Jul 2019

بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، كان من الواضح أن قوتين عظميين ستخرجان من رماد الحرب، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، مختلفتان أيديولوجيا، إحداهما قائمة على الديمقراطية والحرية ورأسمالية السوق الحرة في الاقتصاد (السوق الحرة نظام تحدد فيه أسعار السلع والخدمات وفق السوق المفتوحة والمستهلكين). والأخرى مبنية على الاستبداد والسياسة الشيوعية (هي أيديولوجية سياسية واقتصادية تضع نفسها في معارضة الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية، وتدعو بدلا من ذلك إلى نظام لا طبقي تكون فيه وسائل الإنتاج مملوكة ملكية جماعية والخاص غير موجود أو مقيد بشدة).

انخرطت الولايات المتحدة في صراع دام نصف قرن تقريبا مع الاتحاد السوفيتي، وأصبح هذا الصراع يطلق عليه «الحرب الباردة». كانت باردة لأن الروس والأمريكيين لم يكن صراعهم مباشرا، ولم يدخلوا في حرب مباشرة. ومع ذلك، الحرب الباردة لم تكن باردة على البلدان التي واجهت حملة الشيوعيين التي لا هوادة فيها للسيطرة عليها، مثل كوريا الجنوبية وكوبا وأفغانستان، ودول شرق أوروبا.

في هذه الحرب الباردة كان للولايات المتحدة عديد من الأوضاع المعقدة أخلاقيا مثل حرب فيتنام، ولكن في صميم الحرب الباردة كان هناك صراع واضح بين الخير والشر، كما كان الحال في الحرب العالمية الثانية. كانت الحرب الباردة حربا بين قوى الحرية والشمولية. ويمكننا وصف «الحرب الباردة» بأنها الحرب العالمية الثالثة بسبب ملايين الأشخاص الذين ماتوا فيها وبسببها بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

كان المحرض على هذه الحرب ستالين الديكتاتور الشيوعي ثاني قائد شيوعي بعد لينين، استخدم ستالين عملية القتل الجماعي لتوطيد حكم الحزب الشيوعي على الدول المحررة من ألمانيا النازية ولاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية أو الاتحاد السوفيتي.

عانى منه كثير الروس ومن غير الروس تحت حكم حكومته، عرفت الحكومة السوفيتية أنها لا تستطيع شن حرب ضد الغرب الحر الشريك في النصر على ألمانيا النازية، بدلا من ذلك، شنت هذه المعركة من خلال استخدام الوكلاء، والاستخدام المكثف للتضليل المعلوماتي والإعلامي. كانت فريسة الاتحاد السوفيتي الأولى دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق - ليتوانيا وأستونيا ولاتفيا - وكذلك بولندا ورومانيا والمجر وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا. كان لستالين جيشه في كل هذه البلدان في نهاية الحرب العالمية الثانية.

وعلى الرغم من أن ستالين وعد الرئيس روزفلت في مؤتمر يالطا بمغادرة الجيوش السوفيتية لهذه البلدان بعد الحرب، إلا أن الزعيم السوفيتي لم يكن ينوي المغادرة وإعطاء هذه الشعوب حق تقرير المصير. لقد قال ونستون تشرشل مقولته الشهيرة بعد المؤتمر «لا تنس أبدا أن البلاشفة هم التماسيح ولا يمكنني أن أشعر بالثقة فيهم. القوة والحقائق هما الواقعان الوحيدان (CIRCA-1942)».

وعندما هدد ستالين اليونان وتركيا كان لدى الرئيس هاري ترومان أخيرا ما يكفي من التجاوزات السوفيتية للتحرك، فسقوط اليونان وتركيا في يد الشيوعيين هو تهديد حقيقي للأمن القومي، ليس فقط للغرب، بل للولايات المتحدة نفسها. وهذا ما ولّد ما يسمى عقيدة ترومان.

لن تسمح أمريكا وحلفاؤها بمزيد من التوسع في الإمبراطورية الشيوعية، وهكذا بدأت «الحرب الباردة» على مدى العقود الخمسة المقبلة في جميع أنحاء العالم من آسيا إلى أمريكا الجنوبية.

قاتلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي من أجل النفوذ من خلال وكلاء في بعض الأحيان بشكل علني أو سرا في أحيان أخرى، من خلال وكالات التجسس المختلفة الخاصة بهم. تخطت الخطوط الأخلاقية لهذه الحرب الباردة الطويلة الهدف النبيل بالنسبة لأمريكا، لكن لم تتغير قط «حرية الغرب ضد الطغيان الشيوعي في الشرق السوفيتي».

مع سقوط حائط برلين، اعتقد كثيرون أن «الحرب الباردة» قد انتهت، لكن حقيقة الأمر أن الحكم الشمولي لبوتين أعطى ولادة جديدة لقادة «الحرب الباردة» الذين يحتاجون دائما إلى خلق أعداء حتى لو كانوا خياليين.

mr_alshammeri@