عبدالله المزهر

تساقط الأوراق لا يعني موت الشجرة..!

الثلاثاء - 02 يوليو 2019

Tue - 02 Jul 2019

استغراب البعض من توقف أو عجز إحدى شركات توزيع الصحف عن توزيع الصحف الورقية في بعض مناطق المملكة، وهذا استغراب في غير مكانه، لأن نهاية الصحف الورقية أمر محسوم، وهذا ليس أمرا سيئا، بل إنه من أجمل ما يمكن أن يحدث للطبيعة ولكوكب الأرض، والصحف تختلف عن الكتب لأنه من النادر أن يحتفظ بها، كمية كبيرة من الورق تهدر يوميا، ومن الجميل أن العالم وجد حلا ينقذ به الأوراق والأشجار.

لكني لا أفهم سر الربط بين الصحافة وبين الورق، ولا الربط بين نهاية «العصر الورقي» وبين نهاية الصحافة، الورق مجرد وعاء لا أكثر، والمنطق يقول إن العصر الجديد يفترض أن تكون الصحافة فيه أكثر قوة وتأثيرا مما كانت تفعله حين كانت ورقية فقط، فالصحف الآن يمكن أن تصل إلى القارئ بأكثر من طريقة وأكثر من وعاء، وهذا عامل لم يكن متوفرا من قبل، ويفترض أن يكون التنافس بين الصحف الآن أكثر ضراوة وشراسة من أيام الورق. وأعتقد أن هذا يحدث لأن كثيرا من كبريات الصحف العالمية تحقق أرباحا أكثر بعد أن تخلت تقريبا عن الورق.

وأنا هنا أتكلم عن الصحافة عموما في شتى أصقاع الأرض، ولا أتحدث عن الصحف السعودية، لأن مشكلة الصحافة والإعلام أكبر من الدفاتر والأوراق وقضيتها «ما يتحملها ملف».

أنا لا أقرأ الصحف الورقية، لكني أتابع حسابات عدد من الصحف السعودية في مواقع التواصل ـ وهي واحدة من أهم الأوعية الجديدة ـ والأمر اللافت الذي يراه جميع من يتابعها ـ ما عدا المسؤولين عن الإعلام ـ ويعتبرونه أمرا مضحكا مبكيا أنها جميعها تكتب أخبارا متشابهة لدرجة أنك قد تقرأ خبرا في أكثر من حساب بنفس الأخطاء المطبعية.

لو وزعت الصحف عشرة ملايين نسخة يوميا دون حرية مقبولة في الحركة ومع استمرار ضبابية «الخطوط الحمراء» فإنها ستكون شيئا ناجحا ومربحا، لكنها لن تكون صحافة ولا إعلاما.

ولذلك فإن حصر مشكلة الصحافة السعودية في التوزيع الورقي يبدو هروبا للأمام وابتعادا عن المشكلة الحقيقية.

وعلى أي حال..

الصحف السعودية نالت من كل شيء من كل حظ أتعسه، فهي لم تحظ بالاستقلالية الحقيقية التي تتيح حرية الإبداع والتنافس بناء على المحتوى المستقل، ولم تعد تحظى بالدعم الحكومي الذي يبرر عدم استقلاليتها. وأصدقكم القول إني أريد الثانية أكثر من الأولى، فأنا على الأقل أريد أن تدعم الصحف كما تدعم الأندية الرياضية ويتقاضى الكتاب والصحفيون رواتب كتلك التي يتقاضاها اللاعبون، هذا الأمر أهم بالنسبة لي ولكم وللحياة من حرية الصحافة.

agrni@