عبدالحليم البراك

الاستراحة في الثقافة السعودية

الاثنين - 01 يوليو 2019

Mon - 01 Jul 2019

ما هي الاستراحة؟ هي تلك التي حار فيها علماء الاجتماع والفلاسفة عندما سعوا إلى تعريفها.

الماديون قالوا عنها «إنها مبنى من أربعة جدران فيه غرفة مملوءة برائحة الدخان وثمة رسيفر في الزاوية وأوراق اللعب، ودفتر لحساب أرقام لعبة البلوت ومجموعة لا متناهية من الشيشة»، بينما عرفها العقلانيون بأنها «مكان اللجوء (الذهني) الذي يمارسه المتزوج هربا من زوجته والعيال، وما يمارسه العازب (عقليا) هربا من الأسرة الكبيرة وأبناء الأخوات المزعجين في بيت والدهم»، بينما عرفها الديكارتيون بأنها «المكان الذي تبحث فيه عن السعادة ولا تجدها، لا بل وتبحث فيه عن الوحدة فلا تجدها، ويعج بالأصدقاء وهم ليسوا أصدقاء»، بينما تعرفه النسويات بأنه «ليلة هروب الرجل من أسرته، والعلاج عندنا!»، أما الدوغمائية فتعرف الاستراحة بأنها «استراحة وبس»، ولو تتبعنا التعريفات لملئت صفحات من كتاب.

مهما يكن من أمر، وفي العموم أيضا، فإنك من اسمها «استراحة» تجد معناها، وهي تعني أن يذهب الرجل فيها ليستريح، حسنا إن كان الرجل مستريحا أصلا في بيته وعمله، فلا هو الشاقي في بيته لأن سيدة البيت وضعته على كفوف الراحة، وقامت العاملة المنزلية بما لم تقم به سيدة البيت، والأولاد مشغولون عنه بالآيباد والانترنت، والبنات مشغولات بالانستقرام وتعلم القيادة، وفي عمله هو لا يعمل فهو مستريح، فلماذا يذهب للاستراحة ليستريح رغم كل هذه الراحة؟ هذا ما لا يستطيع أن يفهمه إلا الرجال وحدهم، ولا يبرره غيرهم.

والاستراحة تعني أنك مقاتل في هذه الحياة، وأثناء قتالك تحتاج لوقت راحة قصير، بينما الشواهد تدل على أن الإنسان السعودي لدينا يمضي في الاستراحة أكثر مما يمضي في قتاله للحياة من أجل طلب الرزق، يعني قد يكون جلوسه في بيته ساعتين وفي العمل خمس ساعات، بينما إقامته في الاستراحة أكثر من ست ساعات، وعليكم أنتم احتساب ساعات النوم المتبقية، إذن صارت استراحة المحارب أكثر من حربه، وأصبحت استراحته واسترخاؤه أكثر من تعبه، لم نحسب جلوسه الممتد بإجازة نهاية الأسبوع!

وإن سلمنا بأن ما سلف منطقي وله ما يبرره، فإنك من السهل أن تفهم أن الراحة أو الاستراحة تأتي بعد انتهاء العمل الشاق، لكن من الصعب أن تفهم أن الاستراحة تتم أثناء العمل، فهناك ما يسمى بـ «الزرقة» أو «المرور» أو «التكية» بالاستراحة أثناء وقت الدوام الرسمي، وتستغرق من الوقت ما يعادل «رأسا من تفاحتين بالضبط».

آخر ملاحظة يمكن أن تلاحظها على رواد الاستراحات، خاصة الاستراحات التي تقبع في أطراف المدينة، هو أنهم مسرعون في سياراتهم، ويسيرون بطريقة جنونية، وعندما تسأل أحدهم لماذا هذه السرعة؟ يقول: حتى نستريح في الاستراحة، وتجيبه: تكاد أن تموت، أو أن تصطدم بسيارة أخرى قبل أن تستريح، فيقول لك: أسرع، لا وقت لدينا، يجب أن نصل للاستراحة، إذن صارت الاستراحة مصدر شقاء وحوادث وقلق، أكثر منها مصدرا للراحة، بل إنه يقول لك لاهثا فور وصوله للاستراحة: اليوم كدت أن أصطدم بثلاث سيارات «وش فيهم الناس»، إلا .. «وش فيك أنت!!».

أخيرا، لا يسعني إلا الدعاء: اللهم هب لنا استراحة لا تلهينا، ومالا لا يطغينا، وعملا غير شاق يسعدنا ولا يشقينا أو هب لنا استراحة وتقاعدا لعل البال يرتاح!