شاكر أبوطالب

قبل التحول إلى النشر الالكتروني!

الاحد - 30 يونيو 2019

Sun - 30 Jun 2019

مطلع العام الجاري، نشر موقع (هوتسيوت) لإدارة وسائل التواصل الاجتماعي عددا من المؤشرات المتعلقة بالعالم الافتراضي في السعودية، حيث بلغ عدد مستخدمي الانترنت 30.2 مليونا، بنسبة بلغت 89 % من إجمالي السكان البالغ عددهم 33.85 مليون نسمة. وهناك 96 % من البالغين في السعودية يملكون هاتفا ذكيا، بينما بلغ عدد مستخدمي الانترنت عبر الجوال 27.14 مليونا، بنسبة بلغت 80 % من إجمالي السكان، فيما يستخدم الانترنت يوميا 88 % من إجمالي مستخدمي الانترنت، بمتوسط بلغ 6 ساعات و44 دقيقة يوميا.

إن المؤشرات السابقة تجعل من المملكة سوقا واعدة في مجال صناعة الإعلام الالكتروني، والتي تتميز بقلة التكلفة المالية التي يتحملها الناشر والجمهور مقارنة بالإعلام التقليدي، والسرعة في مواكبة الأحداث، والتفاعلية بين صناع المحتوى والجمهور، وإمكانية تعديل المحتوى بعد النشر، وقابلية إضافة الصوت والصورة والفيديو للمحتوى، وسهولة جمع المعلومات ونقلها وتخزينها واسترجاعها، واتساع هامش الحرية مقارنة بالإعلام المطبوع، وغيرها من المزايا التي يمكن استثمارها للاقتراب من المستوى الذي وصل إليه الإعلام الالكتروني في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية.

لكن الوضع الراهن لبيئة الإعلام الالكتروني في السعودية يجعلها غير جاذبة للاستثمار، فملامحها ضبابية، وفرصها غير مرئية، وهي للفوضى أقرب منها إلى التنظيم، إذ تواجه صناعة الإعلام الالكتروني عددا من التحديات، أهمها: غياب الرؤية والتخطيط الاستراتيجي، وندرة المعلومات والبيانات عن السوق، وصعوبة التمويل، وضعف الإيرادات الإعلانية، وغياب الإطار القانوني المهني الذي ينظم العمل في الإعلام الالكتروني، وغياب الموثوقية والمصداقية، وضعف الرقابة والمحاسبة.

ولذلك فإن تطبيق مبادرة التحول إلى النشر الالكتروني التي ناقشها وزير الإعلام مع رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية خلال الأسبوع الماضي، أجده مغامرة غير محسوبة إن لم يكن مجازفة، تحديدا في الوضع الراهن لسوق النشر الالكتروني، نتيجة غياب أو تقادم القوانين والتشريعات المنظمة للعالم الافتراضي بشكل عام، والنشر الالكتروني بصورة خاصة، وصعوبة تطبيق المعايير المهنية، وضعف الرقابة الحكومية والمجتمعية، وغياب مقومات التنافسية في سوق النشر الالكتروني. يضاف إلى ذلك محدودية السوق الإعلانية والتنافس الشديد عليها من قبل العديد من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ونشوء ظروف تعرض للمحتوى الإعلامي لم تكن موجودة من قبل، وانتشار عادات اتصالية وإعلامية جديدة، والتطور السريع للتقنيات والتطبيقات الحديثة، وغيرها من التحديات التي تواجهها صناعة الإعلام الالكتروني.

قبل مطالبة المؤسسات الصحفية بالتحول إلى النشر الالكتروني، يجب على وزارة الإعلام البدء في صياغة استراتيجية وطنية موحدة للعالم الافتراضي، تقود الأنشطة الإعلامية والإعلانية والتجارية في الفضاء الالكتروني إلى أهداف رؤية 2030، والعمل على تحسين البيئة التشريعية والقانونية لصناعة الإعلام الالكتروني، لجعل سوق النشر الالكتروني قابلة للنمو، وملاءمة للاستثمار من خلال تهيئة الأنظمة والإدارات الحكومية المشرفة على تطبيقها، وتعزيز الوضوح والشفافية في الإجراءات، لإيجاد المناخ المناسب لنجاح مبادرة التحول إلى النشر الالكتروني.

ومن المقترحات التي يمكن تنفيذها بصورة عاجلة لتطوير صناعة الإعلام الالكتروني، إجراء التعديلات اللازمة على الأنظمة واللوائح الخاصة بالملكية الفكرية وحقوق المؤلف والمؤسسات الصحفية والمطبوعات والنشر، لحماية حرية الرأي والتعبير والنشر، وسهولة الوصول إلى المعلومات، وضمان حقوق الملكية والنشر الالكتروني، إلى جانب تسهيل نشوء وتمويل كيانات إعلامية اقتصادية، حتى لو كانت حكومية في بادئ الأمر، تتولى إدارة وتنمية الإعلام والنشر الالكتروني في السعودية.