عبدالله الأعرج

هل حان الوقت لإصدار جديد من الابتعاث؟

الاحد - 30 يونيو 2019

Sun - 30 Jun 2019

يؤمن تمام الإيمان كل من أتيحت له فرصة الابتعاث أن هذه الخبرة من أعظم الدروس الحياتية، لما تنطوي عليه من اكتساب معرفة ونقل ثقافة إيجابية واطلاع على مستقبل بني الإنسان.

وقد كنت أقول وما زلت أكرر بأن المعرفة التخصصية التي يحصل المبتعث بموجبها على الدرجة العلمية لا تمثل سوى جانب واحد من مكاسب الابتعاث، ويبقى كثير من الفوائد التي تكتسب بقصد أو دون قصد، والتي يمكن أن تحدث مزيدا من التحول الإيجابي لمسيرة التنمية الوطنية بعد رجوع المبتعث للوطن.

ولأن من ضمن مكاسب البعثة نقل المفيد من التجارب لبيئات الأعمال المحلية، وهو الأمر الذي لا يأتي على شكل نص مكتوب في قرار الابتعاث، ولكنه يتحصل من خلال الحياة في الغربة ومخالطة سكان تلك البلدان في أماكن الدراسة ومقرات العمل وفي أسواقهم وحدائقهم ومهرجاناتهم، ولأهمية هذا الأمر في تشكيل بعد عملي إيجابي بعد العودة للوطن، ولأن اكتساب هذه القيم الإيجابية قد يصطدم بضيق الوقت بسبب التفرغ للدراسة وكتابة البحوث وزيارة المكتبات وإجراء الدراسات الميدانية field study، لأجل كل هذا قد يكون من المقبول تبني إصدار جديد من الابتعاث لا يكون هدفه الأول الدرجة العلمية، بقدر ما هو نقل الخبرة العملية وفق أطر محددة وبمنهجية وإجراء مقننين.

هذا الإصدار الجديد من الابتعاث قد يسمى الابتعاث المهني professional scholarship، ويمكن أن تكون الوثيقة المبرمة بين المبتعث وجهة الابتعاث بشكل مقتضب على النحو التالي: بموجب هذا القرار فإن جهة الابتعاث تقوم بدفع كامل تكاليف البعثة للموظف طيلة مدة البعثة، شريطة أن يعود المبتعث بخبرة مهنية نوعية في مجال عمله تحدث تقدما إيجابيا ملموسا لسير العمل، وفي حال لم يتحقق هذا الغرض فإن المبتعث يلتزم بإعادة تكاليف البعثة لجهة الابتعاث.

وجود هذا الإصدار من الابتعاث سيحقق قطعا جملة من الفوائد، منها على سبيل المثال: إحداث تقدم ميداني ملموس في مجال العمل في وقت قصير، إذكاء روح الجدية في الاستفادة الكاملة من فرصة الابتعاث المهني، فالمسألة مربوطة بنواتج لا بد من مشاهدتها واقعا بعد العودة، التفرغ التام لنقل الخبرات الدولية المميزة بعيدا عن ضغوط الدراسة، قصر مدة الابتعاث وتحقيق ترشيد في هذا الاتجاه مقنع جدا مقابل الفوائد المتوخاة منه، الدفع بقيم التنافسية بين قطاعات العمل إلى أقصى حد، حيث أنه لا يمكن لقطاعات أن تقبل بظهورها متأخرة مقابل قطاعات مشابهة، تضييق الفجوة العملية بين بيئات العمل المحلية وقطاعات العمل العالمي، الموازنة بين سياسات العمل المحلي ونظيراتها الدولية، والخروج بمزيج جميل ينتقي من كل نموذج أجمل ما يحويه وتعميم التجربة محليا.

وحينما نذهب باتجاه هذا النوع من الابتعاث فإنني على ثقة تامة أن حراكا ملتهبا وتنافسا عاليا في سبيل البحث عن أمهات الأفكار الخلاقة سيجدان طريقهما للظهور في بيئات العمل المحلية، بل إن بعض الرتابة التي استقرت في بعض جهات الأعمال ستجد نفسها أمام حرج كبير لا يمكن معه سوى مجاراة التوجه الجديد وإحداث حراك يليق بطبيعة المرحلة وطموح القيادات، وهو مكسب عالي المقام يعد بمستقبل زاهر لبلد كريم أضحى يقارع الكبار في كل مسار!