عبدالله المزهر

كوميديا المن والأذى...!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 20 يونيو 2019

Thu - 20 Jun 2019

أشعر بالامتنان العميق لكل أساتذتي الذين درسوني منذ أول يوم لي في الصف الأول الابتدائي حتى آخر يوم جلست فيه على مقعد للدراسة، عربهم وعجمهم، مسلمهم وكافرهم، الطيبين والأشرار، العنيفين والمتسامحين، الذين كرهتهم والذين أحببتهم، كل أولئك الآن محل تقدير وإجلال.

وهذا لا يتعارض مع حقيقة أن المعلمين والمهندسين والأطباء والعمال وكافة الأيدي العاملة والعقول المفكرة التي أتت إلى السعودية ـ وهذا ينطبق على دول الخليج عموما ـ أتت لأن السعوديين أو الخليجيين أرادوا أن يتعلموا وأن يبنوا أوطانهم وأن ينطلقوا للأمام، وليس لأن هؤلاء القادمين الأعزاء المحترمين المبجلين شعروا فجأة بضرورة أن يعلموا السعوديين وأن يمدوا لهم يد العون وأن الوقت قد حان لإنقاذ أبناء الصحراء وانتشالهم من الضياع والشتات والجهل والأمية. فلو لم يرغب السعوديون في التعلم لما علمهم أحد، ولو لم يرغبوا في البناء لما أجبرهم كل بنائي العالم على وضع حجر فوق آخر.

والمن والأذى الذي يبديه الأشقاء العرب تجاه السعوديين خصوصا والخليجيين عموما قد يكون مفهوما ومبررا وربما منطقيا حين يكون من عامة الناس ودهمائهم، ويمكن قبوله من باب مناكفات الشعوب التي تعد أمرا مألوفا ومستساغا بين كل شعوب الأرض خاصة القريبة من بعضها جغرافيا، لكنه حين يصدر من مثقفين وإعلاميين وقادة رأي فإنه من الصعب تقبله أو تبريره. لا يمكن قبوله لأن هؤلاء يفترض أنهم يعرفون الحقيقة ويفهمونها ويدركون أن كل ما يتحقق في هذه الصحراء منبعه إرادة سياسية واجتماعية وشعبية لدى إنسان هذه الأرض في أن يكون شيئا مذكورا، ولو لم يرد ذلك لما التفت إليه أحد.

وأصدقكم القول ـ على غير ما اعتدتم ـ بأن الأمر ليس مزعجا كثيرا، فالشقيق العربي الذي يعايرنا بأنه من علمنا يبدو مضحكا أكثر من كونه مستفزا، وأنا أحب الأشياء المضحكة أكثر من محبتي للأشياء المستفزة، وحين تكون البلدان التي علمتنا خلفنا في جودة التعليم ونسبة الأمية وجودة الحياة فإنه يمكن تقبل خطب المنانين والمنانات من الأشقاء على أنها كوميديا سوداء. وأظنكم مثلي تحبون هذا اللون من الكوميديا في هذا الزمن الكئيب.

وعلى أي حال..

أتمنى صادقا أن أرى الدول العربية جميعها متقدمة ومزدهرة صالحة للحياة، وأن نتعلم منهم أكثر مما تعلمنا، وأن تكون قدوات رائدة للعالم كله في كل مجالات الحياة، وأن تكون كل الشعوب العربية في أعلى سلم رفاهية العيش والسعادة والإيمان بقيمة الحياة والإنسان. لا أحسد أحدا ولا أتمنى زوال النعمة عن أحد، لكني أصدقكم القول ـ للمرة الثالثة ـ أني لا أتمنى أن يكون وضعنا التعليمي ولا الاقتصادي ولا حتى السياسي مشابها للأوضاع التي يعيشها الآن أشقاؤنا الذين علمونا وأخذنا منهم كل شيء.

agrni@