ياسر عمر سندي

تعلم الجهل

الأربعاء - 12 يونيو 2019

Wed - 12 Jun 2019

وسائل التعلم كثيرة وأساليبه متنوعة، وكلما تطورت الأساليب زادت وتطورت معها المجتمعات. والتعلم يتفاوت ما بين النظامي المقنن والتقليدي المزمن، ومنها العفوي المفاجئ والمقصود والطارئ أيضا.

ومن الضروريات التي أجد أننا في حاجة ماسة لتعلمها هو تقمص حالة الجهل المؤقت بإتقان الصمت الإيجابي، والتوقف عن ادعاء الفهم العشوائي في كل شاردة وواردة للخروج بمظهر المتعلم العارف حتى نتمكن من الكسب المعرفي المضاعف.

وهنالك مواقف نتعلم فيها الجهل لنستزيد من العلم من منطلقين، الأول نفسي لزيادة الشعور والرغبة في النهم المعرفي، والثاني اجتماعي للتأكد أن هنالك من هو أعلم مني في المجتمع فيستمر السعي العلمي.

وأرى أن الجهل المراد تعلمه والذي أعنيه في آلية استشعار مواطن القصور المعرفي ذاتيا بكبح الأنا والغرور الكامن، والتعود على التشارك الداعم مع الاستعداد النفسي لتقبل المزيد، والتريث في إصدار التلميحات والإيحاءات تجاه أي موضوع من المواضيع الحياتية، سواء كانت دينية أو دنيوية، واليقين الباطني والظاهري لحاجة الفرد من الاستزادة في كل أمر، مع الإكثار والتركيز على تخصص محدد في نهاية الأمر، والترفع عن كل ما من شأنه أن يحط من القدر والقيمة الإنسانية والقيمية للشخص في أخلاقه وسلوكه وعلمه تجاه نفسه والآخرين.

ويمكن التعرف على المواقف التي نستحضر فيها حالة الجهل من خلال:

1. تعلم الجهل في الموقف القرآني: بالتأكد من أن العلاقة بين العلم والجهل علاقة طردية، فإذا زاد العلم زاد بالمقابل الجهل، والقرآن العظيم فيه ما نجهله وما زلنا نكتشف كوامنه، قال تعالى «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» الإسراء 85.

2. تعلم الجهل في الموقف النبوي: «وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)» سورة النجم، فيجب علينا أن نقف أمام الأحاديث النبوية، والاستشعار بالجهل العلمي للوصول إلى الوعي المعرفي في علم الحديث وأصوله من حيث المتن والسند، والجرح والتعديل، والصحيح والحسن والضعيف وغيرها، وعدم التشكيك برواة الحديث، بل التأدب معهم وبما جاؤوا به والاستمرار في الطلب واللجوء للسبب.

3. تعلم الجهل في الموقف الديني: ويكون بالتروي والحكمة والتؤدة والمناقشة اللبقة في العلوم الدينية، والوصول لما يرمي إليه في الخصوص والعموم، واحترام الراسخين في العلم لكونهم ورثة الأنبياء، والاستقاء مما لديهم، والبعد عن إصدار الفتاوى في الأمور الشرعية.

4. تعلم الجهل في الموقف العلمي: وذلك في العلوم الدنيوية المتعددة، بالتواضع للمعلم وعدم الإقلال من شأن المعلومة مهما كانت بسيطة، والبعد عن ادعاء المعرفة، قال تعالى «وفوق كل ذي علم عليم» سورة يوسف 76.

5. تعلم الجهل في الموقف العملي: ويحتاج دوما للخبرة والدراية الوظيفية والتأهل التنظيمي المتتابع والتدريب المتخصص، وعدم التوقف عند حد ما أو أحد ما في اكتساب المعرفة.

6. تعلم الجهل في الموقف العائلي: باحتراف الصمت وتقمص الجهل الإيجابي مع أفراد العائلة والأسرة والقرابة وذوي الأرحام حال وقوع المشكلة، وتعلم الإنصات العميق، وعدم ادعاء المعرفة أو المشاركة بالرأي حتى يتم استيعاب الموقف من كل الجوانب.

7. تعلم الجهل في الموقف السياسي: وذلك بعدم التطاول بالتكهنات السياسية أو لعب دور أهل الحل والعقد أو دور الدبلوماسي والمحلل السياسي في المجالس والدواوين.

8. تعلم الجهل

في الموقف الإنساني: بالتواضع والافتقار للمعلومة حتى في حال امتلاكها، وعدم إحراج الآخرين ممن لديهم معلومة بسيطة بالاستهزاء بهم أو السخرية منهم.

9. تعلم الجهل في الموقف المجتمعي: بطلب المعرفة والخبرة والسؤال عنهما من الآخرين، سواء الجار أو الصديق ممن عرفت ومن لم تعرف.

10. تعلم الجهل في الموقف المرحلي: وذلك باحترام حق ملكية المعرفة لمن يصغرني عمرا أو يقل عني تعليما، فالعلم الثقافي سائد والتكبر عليه بائد، قال تعالى «يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك» سورة مريم 43.

هذه عشرة مواقف تقمصوا جهلكم الإيجابي عندها ليزيد علمكم الفعلي منها.

@Yos123Omar