طلال الحربي

المملكة وقمم القمم

الاحد - 09 يونيو 2019

Sun - 09 Jun 2019

ربما لم يحدث في تاريخ الدبلوماسية أن استطاعت دولة ما أن تستضيف قادة عشرات الدول في مدة زمنية قصيرة مثلما فعلت المملكة في تنظيم القمم العربية والخليجية والإسلامية التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وترأسها في مكة المكرمة.

وجاءت بياناتها الختامية لتدلل على مكانة المملكة واستجابة قادة الدول المدعوة، أو ممثلين لهم، لحضور هذه الاجتماعات عالية المستوى.

كان هدف المملكة من وراء هذه الدعوة تسليط الضوء على موضوعين رئيسين، هما التهديد الإيراني والقضية الفلسطينية. فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكد خادم الحرمين الشريفين أن هذه القضية هي قضية العرب الأولى وأن لا تنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني. وبهذا التأكيد المتكرر يكون الملك سلمان قد وضع حدا لكل الأقاويل التي تحاول ربط المملكة بمشاريع حلول كان آخرها ما يسمى بصفقة القرن التي أعلن وزير الخارجية الأمريكي جورج بومبيو وفاتها قبل الإعلان عنها.

من خلال جمع هؤلاء القادة، أرادت قيادتنا أن تبين للقريب والبعيد حجم المعسكر الذي تقوده المملكة لمواجهة تهديد إيران التي تتجاهل قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي.

لكن يجب أن يكون واضحا أن السبب الذي جعل قيادة المملكة تدعو إلى هذه القمم ليس خوفها من التهديد الإيراني، فهي تواجهه في اليمن لأكثر من أربع سنوات، وإنما لتقول للمجتمعين إن التهديد الإيراني سوف يطالهم عاجلا أم آجلا إن لم يقفوا موقفا موحدا لمواجهته.

وفي الحقيقة أن هذا التهديد لم يعد تهديدا خطابيا، وإنما هو خطر وحرب فعلية غير مباشرة على أرض الواقع في العراق وسوريا ولبنان واليمن من خلال الميليشيات الطائفية المسلحة التي تنادي بولاية الفقيه. وأصبح هذا الخطر، ممثلا بعصابات الحوثيين، يهدد المنشآت النفطية

الإماراتية والسعودية وخطوط إمداد النفط العالمية.

صحيح أن الذين جاؤوا إلينا حملوا معهم رؤاهم وهمومهم، إلا أن البيان الختامي للقمة العربية أكد على حق المملكة في الدفاع عن نفسها، ومطالبا بـ «الامتناع عن استخدام القوة أو التلويح بها والتدخل في الشؤون الداخلية ‏للدول وانتهاك سياداتها»، وهذا ما ينافي السلوك الإيراني.

وفي تشديده على «تضامن الدول العربية وتكاتفها بعضها مع بعض في وجه التدخلات الإيرانية في ‏شؤونها الداخلية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر»، تكون المملكة قد أعادت الأمل بإحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك الموقعة منذ عام 1950.

بالتأكيد أن قيادة المملكة لا ترغب في رؤية أي حرب في منطقة الخليج العربي، وإذا ما نشبت سوف تكون خاطفة وستتكبد إيران أضرارا فادحة تضاف إلى متاعبها الحالية بفعل الحصار النفطي والاقتصادي.

مع ذلك، ومع تمسكها بحق الدفاع عن نفسها بكل ما في ذلك من معنى حتى لو قامت بذلك منفردة دون استشارة أحد، فقد أرادت المملكة أن تبلغ الإدارة الأمريكية وحلفاءها بما يدور في القنوات الخلفية وفي الرسائل التي تنقلها أطراف عربية أو التي سينقلها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الذي سيزور طهران هذا الشهر، وما الذي نقله وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف في زيارته إلى طوكيو في 16 مايو.

كان إعلان المواقف صراحة أمام مؤتمر قمة عربي من حسنات هذا المؤتمر، فقد عرفنا من هو العربي ومن ينطق بلسان إيراني مبين، وهؤلاء سوف يندمون وسوف يأتي اليوم الذي يطلبون فيه منا مساعدتهم في الخلاص من البلاء الفارسي.

alharbit1@