فهد عبدالله

كيف شبت هواوي عن الطوق؟

الجمعة - 31 مايو 2019

Fri - 31 May 2019

بغض النظر عن ماهية الصراع والتنافس الاقتصادي السياسي الذي يحدث بين الشركات الريادية في مجال التقنية، إلا أن هناك نوعا من حالة الذهول يراقبها المتخصص والمستهلك البسيط لصعود نجم هواوي الذي يكبر يوما بعد آخر رغم أنها من أواخر الشركات التي دخلت في التزاحم التنافسي التقني.

شهدت شركة هواوي تطورا سريعا في الارتقاء بقيمة علامتها التجارية محققة في عام 2018 المركز الـ 79 صعودا من المرتبة الـ 88 عام 2017 في تصنيف فوربس السنوي، حيث بلغت قيمة علامتها التجارية 8.4 مليارات دولار بزيادة تقدر بـ 15% مبنية على أساس سنوي مقارنة بالعام الذي سبقه، والتي بلغت 7.3 مليارات دولار، مع العلم أنها الشركة الصينية الوحيدة التي اندرجت علامتها التجارية في تصنيف فوربس السنوي لأعلى العلامات التجارية قيمة بالعالم.

وفي العام نفسه استطاعت هواوي أن تتفوق لتصبح ثاني أكبر مصنع للهواتف الذكية حول العالم خلف سامسونج ومن خلفهما شركة أبل الرائدة، وهذا مؤشر لرغبة الشركة للريادة العالمية في مجال التكنولوجيا، ولسان حالها يقول إن حدوث ذلك مسألة وقت فحسب.

في الحقيقة الباحث عن أسباب هذا التفوق المثير لشركة هواوي في تعملقها وسرعة انتشارها ورغبتها القيادية في سوق التكنولوجيا قد يجد أسبابا كثيرة تتعلق بقياداتها وبطريقة الأحلام التي تديرها واستراتيجياتها وثقافة العمل لدى كوادرها، وقبل كل هذه الأسباب نستطيع أن نقول انظر إلى جانب البحث والتطوير لدى هذه الشركة وستدرك مدى التوافقية الموجودة بين أحلام الشركة القيادية في إدارة سوق التقنية، بل صناعته والتنفذ فيه وكذلك حجم الإنفاق السنوي على البحث والتطوير.

صنفت هواوي على أنها خامس أكبر شركة على مستوى العالم من حيث الإنفاق على البحث والتطوير (R&D، Research and Development) عام 2018، وذلك وفقا لتصنيف مؤشر الإنفاق على البحث والتطوير الصناعي التابع للاتحاد الأوروبي، وهو تصنيف سنوي لأكبر 2500 شركة في مجال البحث والتطوير على مستوى العالم.

وقد صرفت ما يعادل 12 مليار دولار عام 2018 في المصروفات التي أنفقت على البحث والتطوير، متفوقة على كثير من الشركات العالمية التي اشتهرت بخصيصة الإنفاق على البحث والتطوير مثل شركتي إنتل وأبل.

عدد الموظفين الذين يعملون في البحث والتطوير في شركة هواوي 76 ألف موظف حول العالم بنحو 45 % من إجمالي الموظفين، وهذا يفسر الرغبة الملحة والعملية من خلال هذا الكم الكبير من الموظفين في هذا الجانب.

ويظهر هذا الوضوح الاستراتيجي والاهتمام بهذا الجانب جليا عام 2017 عندما يعلق نائب رئيس شركة هواوي المستشار القانوني الدكتور سونق ليوبينق بعد تحقيقهم المركز الأول في تسجيل براءات الاختراع من خلال التقرير السنوي لمكتب براءات الاختراع الأوروبي «جل اهتمامنا في هواوي لأعمال البحث والتطوير، وكان من الطبيعي أن نسجل هذا العدد الكبير من براءات الاختراع».

يذكر أنها أول شركة صينية تحقق هذه النتيجة بعد أن سجلت 2.398 براءة اختراع، ووصل إجمالي طلبات الاختراع الممنوحة للشركة 74307 طلبات، 90 % منها سجلت كبراءة اختراع.

وتوج هذا الوضوح الاستراتيجي لدى هواوي عام 2018 عندما احتلت المرتبة الأولى بين جميع الشركات على مستوى العالم وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، حيث قدمت هواوي 5405 طلبات براءة اختراع.

هذه الريادة العملية في شركة هواوي لم تكن كذلك لولا الريادة أيضا في التفكير الصحيح والنهج الاستراتيجي الذكي من خلال إنفاق متزايد على بند البحث والتطوير الذي أنفق في معهد هواوي المركزي للبحوث في مجالات التصنيع والبرمجة، وهذا مثال صارخ على أن الريادة العالمية طريقها يبدأ من مثل هذه المعاهد البحثية، والمحصلة ليست مجرد غلة أموال وإدارة دفة اقتصاد، بل هي أكبر من ذلك مثل التنفذ السياسي والترويج الثقافي ومكاسب أخرى.

ليس من المبالغة في شيء إذا أردت أن تبحث عن مسببات أدوار العظمة لأي عملاق بدأ يأخذ مكانه في عالمنا، ولو فتشت وراء أسباب تلك العظمة ستجد أن الاستثمار في الإنسان من حيث العلم والمعرفة وما يتبعه من منهجيات البحث العلمي وتحديثاته يقف خلف تلك الأكمة الشفافة التي لم تعد تخفي الأسرار كثيرا.