ناصر الهزاني

الدلم بلد الثقافة وموطن العلماء

الجمعة - 17 مايو 2019

Fri - 17 May 2019

سلوا زميقة أو نعجان عن سلفي

سلوا اليمامة عمن كان قاضاها

سلوا الضبيعة عن سوقي ومحكمتي

سلوا الهياثم عني وقت منشاها

أليس في الدلم المعروف مرجعهم

وكل من صعبت شكواه واتاها

والسيح ما كان موجودا به أحد

إلا السباع وماء العين مجراها

يا واحة الخرج أنت ذخر مملكتي

يا سلة الخبز في عسر ويسراها

سلوا ثمامة عن خرجي وميرتها

سلوا الحجاز وفي

التاريخ ذكراها

هذي هي الخرج يا من لا يميزها

قد فات علمك (فيض) من سجاياها

هذه بعض أبيات الشيخ الفقيه الشاعر عبدالرحمن بن عثمان الجاسر يبين فيها حبه لمحافظة الدلم، أوردها الدكتور الشاعر عبدالرحمن بن ناصر الداغري في كتابه (عبدالرحمن بن عثمان الجاسر سيرته وخطبه وشعره).

عند الحديث عن منطقة الدلم تحتار من أين تبدأ بالكتابة، هل من تاريخها الضارب في أعماق التاريخ عبر قرون وأزمنة، أم من موقعها الجغرافي المتميز الواقع في جنوب شرق العاصمة ونموها المتسارع، أم الحديث عن الحركة العلمية فيها وعلمائها الكبار الأجلاء، سواء من أبنائها كالشيخ راشد بن خنين رحمه الله، أو من العلماء كسماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله الذي استقر فيها 14 عاما، إضافة للشيخ عبدالله الخنين عضو اللجنة الدائمة للإفتاء عضو هيئة كبار العلماء متعه الله بالصحة والعافية. وهذه نماذج لما أنجبته هذه المدينة الغالية وقدمته للأمتين العربية والإسلامية.

ولا يلام الشيخ راشد بن خنين رحمه الله عندما عبر عن حبه للدلم بأبيات جميلة ورائعة، حيث يقول:

هب النسيم من الأوطان فانتعشت

مني المشاعر والأعضاء والفكر

أعظم بها ليلة نلقى صبيحتها

جل الأقارب والأصحاب قد حضروا

أهلا وسهلا وتكريما ومعذرة

من طول غيبتنا والصفح ننتظر

والله ما ساءنا منكم معاملة

ولا زهدنا، فقولوا ذنبكم هدر

يا حبذا دلم والساكنون بها

وحبذا أرضها بالشعب تزهر

سهل خصيب به نخل وفاكهة

والخرج من قدم بالقمح تشتهر

هذه بلادي التي عشت الشباب بها

نعم البلاد ونعم الأهل والأسر

لقد كانت الدلم منارة للعلم يفد إليها عديد من طلبة العلم من كل أنحاء المملكة، إذ ازدهرت الحركة العلمية فيها وزاد تأليف الكتب الشرعية ونشرها، وانتشرت الحلقات العلمية على يد عدد من العلماء في فترات زمنية متعاقبة كالشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ عبدالعزيز الصرامي والقاضي الشيخ علي بن بسام والشيخ عبدالله آل مسلم، إضافة للمشايخ حمد بن عتيق وعبدالله المخضوب وعبدالرحمن السالم، رحمهم الله، حيث نفع الله بهم وعمت فائدتهم وعلمهم لتصل لمختلف المناطق، وقد كان للأوقاف في الدلم دور مهم في دعم مسيرة العلم وطلبته وسد الاحتياجات والمتطلبات في تلك المرحلة بشكل منظم ومرتب.

ولاحقا افتتحت أول مدرسة ابتدائية حكومية نظامية في الدلم وهي مدرسة (ابن عباس) عام 1368هـ والتي خرجت العديد من الرموز الثقافية في بلادنا والمسؤولين البارزين من رجال الدولة.

وفي جانب آخر وإضافة إلى تصدر الدلم في مجال التعليم منذ عقود طويلة فهي منطقة استراتيجية مهمة في الجزيرة العربية، حيث شهدت حضارات وحقبا تاريخية وتحوي مواقع أثرية متعددة تدل على قدم المنطقة وتاريخها الضارب بالأعماق، والذي يعود إلى تسعة قرون قبل الميلاد، ولا أدل على ذلك من المدافن القديمة والمواقع الحجرية المتنوعة. ولعل وادي ماوان وأطلاله شاهدة على حضارة متأصلة للمنطقة، حيث يقول الشاعر الجاهلي امرؤ القيس واصفا فرسه الذي كان في منطقة ماوان التي تعد من أودية الدلم:

عظيم طويل مطمئن كأنه

بأسفل ذي ماوان سرحه مرقب

ويخطو على صم صلاب كأنها

حجارة غيل وارسات بطحلب

ولا ننسى أن الدلم كانت الانطلاقة الأولى لتوحيد المملكة وفاتحة خير للملك عبدالعزيز في بداية مسيرة توحيد البلاد، حيث وقف أهلها مساندين للمؤسس وداعمين له حتى حقق الله لهم الانتصار وظفروا.

واليوم تشهد المحافظة حركة ثقافية نشطة ترعاها جمعية التراث والثقافة بالمحافظة، والتي تهدف إلى إبراز جهود أبنائها الثقافية وحفظ تراثها العريق للأجيال الجديدة بوصفها مدينة شهدت عددا من الأحداث التاريخية الهامة، إضافة إلى العمل على دعم وتبني الموهوبين وتطوير مهاراتهم وصقلها.

وضمن جهود الجمعية، اعتمدت مؤخرا شكل دروازة المحافظة التاريخية رمزا لشعارها، نظرا لأهميته وما يحمله من دلالات تاريخية، حيث يعود بناؤها إلى عام 1211 هجرية في عهد الإمام عبدالعزيز بن سعود في الدولة السعودية الأولى.

إن الدلم اليوم تحظى بعناية ورعاية كريمة من قيادة البلاد، والسعي لتطويرها أسوة ببقية مناطق المملكة، وهي اليوم تعد واجهة سياحية مهمة تحتاج من الجهات المعنية الوقوف على مكامن القوة والجذب فيها واستثمارها، ولا سيما مع تنوعها في المحافظة، وهو ما ينشده الجميع في الفترة القادمة.

@nalhazani