سفر القحطاني

بين أمل التسامح ولعنة العنصرية

الأربعاء - 08 مايو 2019

Wed - 08 May 2019

من الشيفرات التي لم يستطع عقلي البسيط فهمها شيفرة التعنصر لعرق أو فكر أو أي مادة قد تحول مجموعة بشرية حباها الله نعمة العقل إلى مجموعة تستلذ بقانون الغاب ليتحزبوا ضد من يختلف عنهم. قد تكون قوة هذه الشيفرة السرية في عدم استخدامها قواعد معلومات خوارزمية من الممكن تفكيكها وتخليص روادها من هذا الوهم، وإنما تعتمد على الانحسار المعرفي لمن يستوطن عقله هذا اللغز المحير.

فكيف لامرئ تفكر في أمره أن يحيد هذا أو ذاك ويسلو عن حقيقة كونه من نسل بشري واحد، انقسم أجداده من بعد ذلك لشعوب وقبائل ليتعارفوا في الدنيا، وكانت الأفضلية في التقوى، وهذا التفضيل إنما هو أخروي بحت عند المولى عز وجل.

ثم تجد من بعد هذا لونا للبشرة وقد جعل بعضا ممن نقص فيهم صبغة «الميلانين» وازدادوا بياضا يزدرون غيرهم، وكأن نقص هذه الصبغة قد أنقص عقلهم، فهم في ضلالة يعمهون. أو تجد عصبة من أفراد قبيلة ما يقيمون تحزبا مقيتا ضد من سواهم من أفراد المجتمع، وتناسوا لحمة القواسم المشتركة مع غيرهم ممن استوطنوا المكان نفسه.

وغير ذلك من التحيز المبني على الجنس البشري ذكورا أو إناثا، فيكون من الرجال من يسعى لتهميش النساء، ومن النساء من تستميت للحركات النسوية بدون تفرقة لجوانبها المضيئة والمعتمة.

ناهيك عن التعنصر الديني أو المذهبي، وهو أشد خطرا وفتكا بالبشرية، فتجد الأصوليين من الديانات والشعوب المتفرقة لا يؤمنون بالتعايش مع من لا ينتهج نهجهم، وقد بثوا الفرقة بناء على عقيدة توارثوها. فهذا مسيحي تشرب ديانته من أبيه، وهذا يهودي تأصل على فكر والدته، وهذا مسلم قد شهد بإله واحد وخاتم نبيين بسبب والديه. وهذا كله مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال «ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»، فكان هذا الأثر للوالدين ومن سبقهم في أدلجة الأجيال القادمة، وهذا ينسحب أيضا على ما سبق من عرق أو قبيلة أو جنس أيضا، إذ لم يكن لمخلوق حق الاختيار فيما صار إليه، وكان النسيج الاجتماعي والعرقي الجيني وكذلك الديني لبقعة جغرافية معينة أثرها على قاطنيها، ثم يأتي من بعدهم من يرفع لواء الكراهية وينصب العداء لمن لا يشبهه شكلا أو مضمونا، وكأن اختياره للونه أو قبيلته أو جنسه أو حتى في بعض الأحايين لدينه كان بتمحيص منه وتفكر، وغفل عن واقع التوارث.

إن التسامح والتعايش مع من يختلفون عنا لهو لبنة أساسية في بناء المجتمعات الحضارية، بل إن التعايش مع المختلفين يسهم وبشكل أساسي في التطور واكتساب المعارف والثقافات الإيجابية، على عكس الانطواء الاجتماعي الذي لا يولد سوى التنافر بين أفراد الشعوب وانحسار العلوم وعدم تطورها. فلا ميزة لبشر عن غيره، ومن أراد أن يمتاز فبالعلم وحده، وهو كفيل لصاحبه أن يخبره سر التسامح والتعايش.