عبدالحليم البراك

متى يا حديد الأبراج تزين المدينة!؟

الاثنين - 29 أبريل 2019

Mon - 29 Apr 2019

وقديما كانت المآذن تخترق سحب المدن العتيقة، فلا أعلى من مآذنها، ولا أصدح من صوت أذان فيها، فلا الشهباء اشتهرت بأكثر من مآذنها، ولا قاهرة المعز غابت عن حاضرتها المآذن، ولا حرم مكي أو مدني شهقت سماؤهما من طول مآذنهما، لكن مؤخرا اخترقت سماءنا أجرام حديدية غريبة على أعيينا، حتى إذا رأيت المدينة من علو، اصطدمت عيناك الرقيقتان بمثلثات من الحديد، تعلوها إضاءة حمراء قد لا يعلوها إلا القلق والحديد، وأي حديد؟

أولا: الحديد المثلث ذو اليدين المتدليتين الحامل للكابلات وهو الذي لا تكاد تخلو منه مدينة كبيرة، حتى سميت الشوارع باسم هذه الحدائد الضخمة، فسميت بطرق الأبراج، وهي أبراج ذات قاعدة عريضة في الأرض، تتجه للسماء بقبح المنظر ثم يتدلى منها ما يشبه اليدين لتحمل كابلات الكهرباء الضخمة، ورغم إيماننا بأهمية الكهرباء في حياة الإنسان، إلا أننا نؤمن - أيضا - بأن التشوه ليس جزءا من حياة الإنسان، فلم تقدم هذه الأبراج الكهربائية ما يحسن المدينة مع أنها فرصة مواتية لصنع كرنفال فني على هيئة طريق ممتد. فالقاعدة الاسمنتية تستحق أن تكون لوحة جمالية، والأعمدة ترتفع حتى تستحق أن تخلق تشكيلة من هوية وطنية فلماذا لا نستغلها!

ثانيا: الحديد المثلث الآخر هو حديد الاتصالات، وهو حديد متراكم في كل مكان يتميز عن سابقه أنه فوق المباني تراه، وعلى أرض فضاء تراه، وتراه أيضا في الشوارع والحدائق مؤخرا، يقدم خدمتين لا ثالث لهما، أولاهما الاتصالات للناس والثانية التشوه للمدينة، ولا تكلف نفسها شركات الاتصالات بأن تجعل من هذه الأبراج الحديدية الصامتة شكلا جماليا ينتهي بعلم وطني نراه في كل مكان، أو حتى جماليات فنية تقلل من كمية الحديد في أعيننا أو نخلة سعودية كسمة لوطننا:

يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دواء

يا نخلتين على نخلتين طابوا ليالي الهوى

إن على الشركات (ربحت أم خسرت) مسؤولية اجتماعية جمالية للمدينة وساكنها، وعليها ألا تزيد كمية التشوه فيها، بل أن تلتزم بمسؤوليتها في خدمة المجتمع ولو كانت تلك الخدمات بسيطة، لطيفة، هادئة على هيئة شكل جمالي، أو على هيئة تكاليف إضافية على ميزانيتها، فالشركات تستفيد من الناس والمجتمع والمدينة، ولا أقل من أن ترد الجمال لأعين الناس!

@Halemalbaarrak