مي محمد الشريف

حين توقف الزمن في كوبا..

الخميس - 25 أبريل 2019

Thu - 25 Apr 2019

عودة إلى الماضي بألوان زاهية في عالم فريد وشعب مبتسم، كلمات بسيطة قد تحكي تجربة زيارتي لجزيرة كوبا، والتي كانت مختلفة عن مغامرتي السياحية السابقة بعبق سحرها الفريد. وفي الحقيقة، لا أخفيكم عن توتري قبل الرحلة بعد قراءة التحديات التي قد أجدها في آخر معاقل الشيوعية، انترنت شبه معدوم، محدودية الفنادق، حاجز اللغة، جودة الطعام. ولكن، فردوس الجزر الكاريبية فاجأتني بأيام استثنائية بين السيارات الكلاسيكية، الحصون العسكرية والمتاحف الفنية في شوارع هافانا الضيقة المتهالكة، وأجواء الموسيقى اللاتينية ورقصات السالسا في ساحاتها المشهورة، والأهم بساطة الدردشة مع شعب قنوع يتنفس السعادة رغم ضيق الحال.

«حياة رتيبة مضمونة فيها أساسيات الحياة» هي تعريف حياة الإنسان الكوبي في يومنا هذا في دولة صغيرة شيوعية الهوى تعاني من عقوبات اقتصادية على مدى 40 سنة. قصة تلك جزيرة مليئة بدماء مواطنيها، حيث بقيت كوبا مستعمرة إسبانية طوال 400 سنة، في النهاية تطلب الأمر تدخلا أمريكيا لتحريرها من الحكم الاستعماري الإسباني وحصلت على استقلالها عام 1898، ومع هذه الحرية اعتقد الكوبيون أن جزيرتهم ستزدهر بمواطنيها ولكن بدأت مرحلة سيطرة استثمارات وسياسات الولايات المتحدة عليها، فزاد فقر الكوبيين مقابل ثراء الشركات الأمريكية، وتبين لهم أن الجزيرة حديثة الاستقلال لم تكن مستقلة رغم كل شيء. لذا، قامت الثورة الكوبية عام 1959 ضد الوجود الأمريكي ونجح فيدل كاسترو في تأميم جميع ممتلكات الشركات الأمريكية وإنقاذ الكوبيين من مستنقع الجهل والمرض وإعلان النظام الشيوعي بالبلاد. على إثره قطعت أمريكا علاقتها معها وفرضت عقوبات قاسية لا تزال قائمة إلى يومنا هذا، وأدت إلى تعطيل الاقتصاد والتطور وقلة الموارد، والذي جعل من كوبا دولة شبه متوقفة عن النمو.

عشت تلك التجربة الثقافية المختلفة منذ خروجي من المطار، وكأني انتقلت إلى خمسينيات القرن الماضي، السيارات القديمة، والمباني المتراصة كانت ذات شأن وأصبحت متهالكة، وفي شوارعها الضيقة أطفال لا يفقهون بعالم الانترنت والأجهزة الذكية، سعيدون بلعب كرة قدم بلاستيكية، وسادة يبحثون عن لقمة العيش ببيع منتجاتهم اليدوية. الأعجب من ذلك، وجود عملتين نقديتين، إحداهما مخصصة للسياح والأخرى تعتبر شعبية. أما المتاحف وأغلب المطاعم والمقاهي، فهي تعود ملكيتها للحكومة، وتتشارك أغلبها في رداءة الخدمة ومستوى الطعام.

وبالرغم من الأوجاع المتراكمة على الشعب الكوبي، فإنهم مثال على القناعة كنز لا يدرك، المشاعر الصافية والروح الودودة والابتسامة الصادقة تكاد لا تفارقهم، مستوى عال من الأمان، لم أشاهد أي متسول أو مخادع، والكل يبحث عن رضى السائح للكسب القليل. ولكن، هذه الحياة تكاد تصل إلى نهايتها، فقد صوت الشعب مؤخرا على الدستور الجديد الذي يقر بقانون الملكية الخاصة وفتح مجال الاستثمارات الأجنبية، والتي ستحول البلاد مع الوقت إلى نظام رأسمالي كبقية العالم، فاغتنم فرصة السفر فقد اقتربت عقارب الساعة من الدوران في كوبا.

أشكر دعم السفارة السعودية في هافانا بقيادة السفير فيصل المنديل، ونائبه سلطان المزيني، اللذين لم يتوانيا في خدمة السياح السعوديين في هافانا. تم افتتاح السفارة عام 2011، والتي ترعى الآن بناء أول مسجد ومركز حضاري إسلامي في كوبا.

أعلنت وزارة الخارجية الكوبية أن الجزيرة خسرت 134.499 مليار دولار أمريكي نتيجة الحظر الأمريكي المفروض منذ 1962.

ReaderRiy@