محمد حطحوط

من قال إن لغة الأرقام لا تكذب؟

السبت - 20 أبريل 2019

Sat - 20 Apr 2019

تخيل أنك دخلت مقهى في مدينة الرياض، وإذ بعشرة رجال جالسين على إحدى الطاولات، يبدو لوهلة أنهم أصدقاء، ثم همست في أذنك قائلا: متوسط الدخل السنوي لكل واحد من هؤلاء هو أكثر من مئة مليون ريال سعودي! ما هي توقعاتك عن هؤلاء العشرة بشكل عام؟ المنطق يقول إنهم حتما ودون شك رجال أعمال كبار، لأن لغة الأرقام لا تكذب! لأن مئة مليون كدخل سنوي ستجعل منك ثريا لا محالة، ونحن أيضا لا نعرف كم دخلهم في السنوات الماضية، ولكن هذه السنة لوحدها كفيلة بإدراجهم جميعا في نادي الأثرياء دون شك!

هذه النتيجة منطقية لأي تفكير نقدي، ولكن الصدمة أن هؤلاء العشرة طلاب فقراء أيتام خلا رجل واحد منهم هو بالفعل رجل أعمال. الحكاية بكل بساطة أن دخل الطلاب الفقراء التسعة هو مكافأة جامعية مقدارها 750 ريالا شهريا، وهذا يعني أن دخل كل طالب 9000 ريال بالسنة لا أكثر، بينما الشخص الوحيد الباقي هو بيل جيتس - مجازا - حيث دخله السنوي مليار ريال، وإذا جمعت دخل الطلاب كلهم - 81.000 - مع دخل جيتس - المليار ريال - ثم قسمتها على عشرة، لتعرف متوسط دخلهم، فسيكون الرقم أن دخل كل واحد من هؤلاء العشرة أكثر من 100 مليون سنويا! بينما لو حسبت المنوال لذات العشرة - وهو إحصائيا الرقم الأكثر تكرارا - فسيكون هو 750 ريالا!

الذي يحدث غالبا في الإعلام أن يذكر الرقم الذي يعزز موقفه، ولو كان على حساب بيع أخلاقيات البحث العلمي، فقد يقول شخص إن متوسط الدخل لهؤلاء الشباب مئة مليون، وهو رياضيا صادق، وهنا يأتي دور المفكر الناقد ومؤسسات المجتمع المدني، في تفكيك المغالطات والجمل المأخوذة خارج السياق، ويبين للمشاهد البسيط أن هذا الرجل الثري جدا لا يعكس الواقع الحقيقي لهؤلاء الشباب الفقراء التسعة!

خذ مثالا حقيقيا كيف يتلاعب السياسي بلغة الأرقام: الرئيس الأمريكي جورج بوش في حملته الانتخابية ذكر أن أكثر من 91 مليون مواطن أمريكي سوف يحصلون على نزول في الضرائب السنوية بمتوسط ألف دولار، وهو رقم كبير زاد من شعبية حملته. ولكن صحيفة النيويورك تايمز ذكرت في تقرير عنونته «الأرقام تكذب» أن 90 مليون مواطن سيحصلون على نزول في الضرائب، ولكنه أقل من 100 دولار! لماذا الفرق الكبير؟ لأن نسبة قليلة جدا من الأثرياء ستحصل على نزول بمئات الملايين قامت برفع المتوسط من 100 دولار إلى 1000، تماما مثلما حصل مع حكاية جيتس أعلاه! إن كنت جمهوريا مثل بوش، فستردد الرقم ألف دولار لأنه يخدم أهدافك، وإن كنت ديمقراطيا فسيكون رقم 100 هو خيارك المفضل، لأنه يكشف زيف التلاعب الحاصل بالأرقام!

الشركات تتلاعب هي الأخرى في لغة الأرقام في حملاتها الترويجية، وذكر صاحب كتاب (الإحصاء المكشوف) Naked Statistics أمثلة مثل الحرب بين شركتي فرايزون وإي تي انتي. ولهذا تنبه عزيزي القارئ من أي رقم تسمعه هنا أو هناك، ولا بد لميزان النقد أن يكون حاضرا، لأن لغة الأرقام لا تكذب فحسب، بل تكذب بشكل فظيع أيضا.

mhathut@