عبدالله الأعرج

مفهوم الإنجاز وتجنب الانحياز!

الاحد - 14 أبريل 2019

Sun - 14 Apr 2019

قبل أن أكتب الأسطر التالية أخذت جولة سريعة حول معنى الإنجاز لغويا من مصادر مختلفة، ووصلت لشبه اتفاق على أنه يعني إكمال أمر (مهم ومحوري) على وجهه الأفضل.

ولم يفت علي في خضم هذا وذاك تذكر الدعاء المأثور حين الوقوف على الصفا والمروة ومنه «لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده..» أي وفّى بوعده الذي وعد به المؤمنين من النصر والتمكين والعزة.

عدت مرة أخرى لما وقع أمام ناظري في الانترنت وأنا أقلب مجموعة مناشط واحتفالات ومسابقات اعتيادية استخدم القائمون عليها لفظة إنجازات، وتأملت بعض الدراسات البسيطة والأبحاث سهلة الهضم وهي توصف بذات العبارة «إنجازات»، كذلك تأملت بعض الأحاديث حول تطبيقات علمية مكررة ومعادة توسم أيضا بالإنجازات!

لم أشأ أن أغرق كثيرا في هذا البحر المتلاطم من العاطفية في الوصف بقصد أو بدون قصد، وبدلا من ذلك قررت أن أتحدث فيما بقي من هذه المساحة حول نظرتي لمفهوم الإنجاز دون انحياز، فتوصلت لهذه النقاط التي تمثل (عظم السمكة) لما يمكن وصفه بإنجاز:

1 - لكي يكون الأمر (إنجازا) معتبرا فإنه لا بد أن يكون جديدا وغير مسبوق وأصيل originality وحين يكون مسبوقا فإن من الأنسب أن يطلق عليه (تطوير أو تحسين).

2 - الإنجاز الحقيقي يحتاج لإجماع عقلاني من أهل الاختصاص وليس لرأي عاطفي من عامة الناس، وحين يأتي الحكم من المتخصص فإنه سيكون حكما مهنيا ذا اعتمادية reliability & accountability.

3 - الإنجاز المعتبر يحدث أثرا كذلك على نطاق واسع ولشريحة كبيرة من المستفيدين ولا يقتصر على مساحة محدودة جدا مثل (بيئة عمل وحيدة) أو مجموعة قليلة من البشر.

4 - الإنجاز أيضا - كما أرى - يجب أن يكون قابلا للتطبيق والقياس والتقييم، أما الممارسات الهلامية التي لا يمكن إخضاعها لعامل قياس الأثر impact factor ولا يستفاد منها عمليا فهي مجرد محاولات قد وقد لا تصيب هذا إذا لم تكن مصدر ضرر محتمل.

5 - الإنجاز لا بد أن يترك لفترة مناسبة قبل أن يوصف بهذا الوصف، وذلك للتأكد من أنه فعلا أحدث نقلة نوعية في بيئات الأعمال وأثبت نفسه كخيار مناسب وملائم لاحتياجات وتطلعات المنظمة التي استهدفها.

6 - الإنجازات النوعية

ستتحدث عن نفسها غالبا دون عناء، فكم من فكرة ملتهبة طموحا وكم من باحث مغمور في بقعة ما من هذه البسيطة برز طبيعيا كصاحب منجز من العيار الثقيل دون أن يدور بخلده يوما أنه سيصل إلى هذا المكان المرموق الذي أوصله إليه فكره وبصيرته.

أختم بأن الإنجاز سيبقى ضالة البشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن من حق كل منظمة أو فرد على وجه البسيطة أن يحظى بشرف وصف ما قام به بأنه (إنجاز)، ولكن لا بد أن ندرك أن الإنجاز مرتقى صعب وعمل دؤوب وكفاح يستطيل في كل الاتجاهات، لسنين عددا، قبل أن يصل إلى هذا الوصف الذي أصبحنا نسمعه في كثير من بيئات العمل يطلق على ما قل وكثر، متناسين أي وصف سنجده حينها لأمهات الإنجازات التي قامت على جسور من الكدح والإصرار والعزيمة قبل أن ينعم بخيرها كل المستفيدين، فطوبى لمن قام بها في كل حين «فإن الله لا يضيع أجر المحسنين».