حسن علي القحطاني

السودان وصرخة الحرية

السبت - 13 أبريل 2019

Sat - 13 Apr 2019

رقص البشير طربا 30 عاما بعصاه، واليوم يرقص شعبه فرحا لسقوطه، السودانيون فرحون ويعلو صوتهم بصرخة الحرية، أما «البشير» الذي حكمهم لعقود فهو مجرد من سلطاته، وبات معتقلا في مكان وصفه وزير الدفاع عوض بن عوف بالآمن، وإن كان في الوقت الحالي لا يهم إن كان آمنا أو يرتب حقائبه للخروج من السودان ليحل ضيفا مشردا على إحدى الدول التي كان يتحالف معها ويخدم مصالحها.

كان يمكن للبشير أن يوفر على بلاده وشعبة الدمار، وأن يوفر على نفسه عار التاريخ الذي سيلازم سيرته، إلا أن الأنظمة الجمهورية العربية تنفرد بأن الحاكم فيها يتمرد على المثاليات المكتوبة بالحبر على ورق النظام الجمهوري، فما إن يبلغ السلطة حتى يعتبر نفسه وريثا وحيدا لها، لا حياة له من دونها، ولا حياة لها من دونه، هذا هو زهو السلطة، وسحر الكراسي الذي وإن طال الزمان لا يدوم.

يطوي السودانيون حكم البشير الدكتاتوري الأطول في السودان، فمن أتى للحكم على ظهر دبابة ذهب على ظهر الدبابة نفسها لتبقى بعدة تاريخ ثلاثة عقود أمضاها وهو يلعب بالقنابل ويقلبها بين يديه، وما بين توليه وانفصال الجنوب، وملفات دارفور، وابن لادن، وكارلوس، ومحكمة الجنائيات الدولية، ومنح الترك جزر سواكن التي من خلالها انتقل سلاح الإرهاب والإرهابيين إلى مصر، إلى أن ورط الشعب السوداني في مستنقع الأزمة الاقتصادية، كان البشير يرتمي تارة في الحضن الأفريقي، وتارة يستعطف دول الخليج، وكثيرا ما كان يلعب أدوارا خبيثة بالنيابة عن تحالف دول الشر إيران وتركيا وقطر والكيان الصهيوني، وما إن وطئت قدماه أرض الشام الجريحة لاحتضان سفاحها بشار الأسد حتى بدا لي أن نهايته اقتربت، وبدأت موجة الحراك الشعبي تتشكل فيما يعرف بموجة ربيع جديد، وإن لم يبرد رماد الربيع الذي سبقه.

البشير كغيره من الطغاة، لم يصدق ذلك، وحتى ساعاته الأخيرة كان يهز العصا نفسها راقصا على جماجم ضحاياه، يرفض التعاطي مع واقع أن أصوات البطون الجائعة من الشعب السوداني ستعلو فوق أصوات المسدسات الأمنية، انقلب عليه أصدقاؤه في المؤسسة العسكرية، فتبرأت منه تحت ضغط الشارع السوداني، رغم أنها المؤسسة نفسها المسؤولة عن تدهور أحوال السودان والسودانيين.

أخيرا، يبدو أن مشاكل السودان وأزماته لن تنتهي برحيل البشير، فالأشقاء السودانيون لن يرضيهم استبدال النظام السابق بنظام ولد من الرحم نفسها، ويحمل نفس الصفة والصورة، حتى لو استقال ابن عوف من رئاسة المجلس الانتقالي وعين بدلا منه عبدالفتاح البرهان، فهو من العصبة نفسها، وهذا سيجرف السودان إلى طريق شديد الخطورة، خاصة أن معالم الانقلاب لا تزال غير واضحة إلى الآن على أقل تقدير، هل هو انحياز لحقوق المتظاهرين؟ أم هو انقلاب داخل أروقة المؤسسة العسكرية فقط؟ أم هي صفقة تمت بين البشير ومؤسسته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ إلا أن من المسلم به في قوانين النظم الحاكمة العسكرية الدكتاتورية التي تثور الشعوب عليها أن يتخلص جسد النظام من رأسه، كي يستمر باقي الجسد وينبت رأس أكثر شرا من سابقه، وهذا أصبح غير لائق بدولة بحجم السودان، ولا يحظى بالقبول عند الشعب السوداني الشقيق. حفظ الله دولة السودان وشعبها.